(وَاللَّاتِي) في موضع رفع بالابتداء والخبر (فَعِظُوهُنَ) ، ويصح أن تكون في موضع نصب بفعل مضمر تقديره : وعظوا اللاتي تخافون نشوزهن ، كقوله : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) [المائدة : ٣٨] على قراءة من قرأها بالنصب ، قال سيبويه : النصب القياس ، إلا أن الرفع أكثر في كلامهم ، وحكي عن سيبويه : أن تقدير الآية عنده : وفيما يتلى عليكم اللاتي. قالت فرقة معنى (تَخافُونَ) تعلمون وتتيقنون ، وذهبوا في ذلك إلى أن وقوع النشوز هو الذي يوجب الوعظ ، واحتجوا في جواز وقوع الخوف بمعنى اليقين بقول أبي محجن :
ولا تدفنّني بالفلاة فإنّني |
|
أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها |
وقالت فرقة : الخوف هاهنا على بابه في التوقع ، لأن الوعظ وما بعده إنما هو في دوام ما ظهر من مبادئ ما يتخوف ، «والنشوز» : أن تتعرج المرأة وترتفع في خلقها ، وتستعلي على زوجها ، وهو من نشز الأرض ، يقال ناشز وناشص ومنه بيت الأعشى : [الطويل]
تجلّلها شيخ عشاء فأصبحت |
|
قضاعيّة تأتي الكواهن ناشصا |
و (فَعِظُوهُنَ) معناه : ذكروهن أمر الله ، واستدعوهن إلى ما يجب عليهن بكتاب الله وسنة نبيه ، وقرأ إبراهيم النخعي «في المضجع» ، وهو واحد يدل على الجمع ، واختلف المتأولون في قوله : (اهْجُرُوهُنَ) فقالت فرقة معناه جنبوا جماعهن ، وجعلوا (فِي) للوعاء على بابها دون حذف ، قال ابن عباس : يضاجعها ويوليها ظهره ولا يجامعها ، وقال مجاهد : جنبوا مضاجعتهن ، فيتقدر على هذا القول حذف تقديره : واهجروهن برفض المضاجع أو بترك المضاجع وقال سعيد بن جبير : هي هجرة الكلام أي لا تكلموهن وأعرضوا عنهن فيقدر حذف تقديره : واهجروهن في سبب المضاجع حتى يراجعنها ، وقال ابن عباس أيضا : معناه وقولوا لهن هجرا من القول ، أي إغلاظا ، حتى يراجعن المضاجع ، وهذا لا يصح تصريفه إلا على من حكى هجر وأهجر بمعنى واحد ، وقال الطبري : معناه اربطوهن بالهجار ، كما يربط البعير به ، وهو حبل يشد به البعير ، فهي في معنى اضربوهن ونحوها ، ورجح الطبري منزعه هذا وقدح في سائر الأقوال ، وفي كلامه في هذا الموضع نظر ، والضرب في هذه الآية هو ضرب الأدب غير المبرح ، وهو الذي لا يكسر عظما ولا يشين جارحة ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «اضربوا النساء إذا عصينكم في معروف ضربا غير مبرح» وقال عطاء : قلت لابن عباس : ما الضرب غير المبرح؟ قال بالشراك ونحوه ، وروي عن ابن شهاب أنه قال : لا قصاص بين الرجل وامرأته إلا في النفس.
قال القاضي أبو محمد : وهذا تجاوز ، قال غيره : إلا في النفس والجراح ، وهذه العظة والهجر والضرب مراتب ، إن وقعت الطاعة عند إحداها لم يتعد إلى سائرها. و (تَبْغُوا) معناه تطلبوا و (سَبِيلاً) أي إلى الأذى ، وهو التعنيت والتعسف بقول أو فعل ، وهذا نهي عن ظلمهن بغير واجب بعد تقدير الفضل عليهن والتمكين من أدبهن ، وحسن معه الاتصاف بالعلو والكبر ، أي قدره فوق كل قدر ويده بالقدرة فوق كل يد ، فلا يستعمل أحد على امرأته ، فالله بالمرصاد ، وينظر هذا إلى حديث أبي مسعود فصرفت وجهي فإذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا العبد».