قال القاضي أبو محمد : ولفظة المعاقدة والأيمان ترجح أن المراد الأحلاف لأن ما ذكر من غير الأحلاف ليس في جميعه معاقدة ولا أيمان ، و (شَهِيداً) معناه : أن الله شهيد بينكم على المعاقدة والصلة ، فأوفوا بالعهد بحسب ذلك مراقبة ورهبة.
وقوله تعالى : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ) الآية ، قوام فعال : بناء مبالغة ، وهو من القيام على الشيء والاستبداد بالنظر فيه وحفظه بالاجتهاد ، فقيام الرجل على النساء هو على هذا الحد ، وتعليل ذلك بالفضيلة والنفقة يقتضي أن للرجال عليهن استيلاء وملكا ما ، قال ابن عباس : الرجال أمراء على النساء ، وعلى هذا قال أهل التأويل و «ما» في قوله : (بِما فَضَّلَ اللهُ) مصدرية ، ولذلك استغنت عن العائد ، وكذلك (بِما أَنْفَقُوا) والفضيلة : هي الغزو وكمال الدين والعقل وما أشبهه ، والإنفاق : هو المهر والنفقة المستمرة على الزوجات ، وقيل : سبب هذه الآية أن سعد بن الربيع لطم زوجه حبيبة بنت زيد بن أبي زهير ، فجاءت مع أبيها إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأمر أن تلطمه كما لطمها ، فنزلت الآية مبيحة للرجال تأديب نسائهم ، فدعاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونقض الحكم الأول وقال : أردت شيئا وما أراد الله خير ، وفي طريق آخر أردت شيئا وأراد الله غيره ، وقيل : إن في هذا الحكم المردود نزلت (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) [طه : ١١٤] وقيل سببها قول أم سلمة المتقدم ، أي : لما تمنى النساء درجة الرجال عرفن وجه الفضيلة. والصلاح في قوله (فَالصَّالِحاتُ) هو الصلاح في الدين ، و «والقانتات» معناه : مطيعات ، والقنوت الطاعة ، ومعناه لأزواجهن ، أو لله في أزواجهن ، وغير ذلك ، وقال الزجّاج : إنها الصلاة ، وهذا هنا بعيد و (لِلْغَيْبِ) معناه : كل ما غاب عن علم زوجها مما استرعته ، وذلك يعم حال غيب الزوج وحال حضوره ، وروى أبو هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك ، وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها» ، ثم قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه الآية ، وفي مصحف ابن مسعود «فالصوالح قوانت حوافظ» وهذا بناء يختص بالمؤنث ، وقال ابن جني : والتكسير أشبه لفظا بالمعنى ، إذ هو يعطي الكثرة وهي المقصود هنا ، و (بِما حَفِظَ اللهُ) الجمهور على رفع اسم الله بإسناد الفعل إليه ، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع «الله» بالنصب على إعمال (حَفِظَ) فأما قراءة الرفع «فما» مصدرية تقديره : يحفظ الله ، ويصح أن تكون بمعنى «الذي» ويكون العائد الذي في (حَفِظَ) ضمير نصب ويكون المعنى أما حفظ الله ورعايته التي لا يتم أمر دونها ، وأما أوامره ونواهيه للنساء ، فكأنها حفظه ، فمعناه : أن النساء يحفظن بإرادته وبقدره ، وأما قراءة ابن القعقاع بما حفظ الله ، فالأولى أن تكون «ما» بمعنى «الذي» وفي (حَفِظَ) ضمير مرفوع ، والمعنى حافظات للغيب بطاعة وخوف وبر ودين حفظ الله في أوامره حين امتثلنها ، وقيل : يصح أن تكون «ما» مصدرية ، على أن تقدير الكلام بما حفظن الله وينحذف الضمير ، وفي حذفه قبح لا يجوز إلا في الشعر ، كما قال [الأعشى] : [المتقارب]
فإنّ الحوادث أودى بها
يريد أودين ، والمعنى : يحفظن الله في أمره حين امتثلنه ، وقال ابن جني : الكلام على حذف مضاف تقديره : بما حفظ دين الله وأمر الله ، وفي مصحف ابن مسعود «بما حفظ الله فأصلحوا إليهن».