ومحمد بن السميفع اليماني «كتب الله عليكم» على الفعل الماضي المسند إلى اسم الله تعالى ، وقال عبيدة السلماني وغيره : قوله : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) إشارة إلى ما ثبت في القرآن من قوله : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) [النساء : ٣] وفي هذا بعد ، والأظهر أن قوله (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) إنما هو إشارة إلى التحريم الحاجز بين الناس وبين ما كانت العرب تفعله ، واختلفت عبارة المفسرين في قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) فقال السدي : المعنى وأحل لكم ما دون الخمس ، أن تبتغوا بأموالكم ، على وجه النكاح ، وقال نحوه عبيدة السلماني ، وقال عطاء وغيره : المعنى «وأحل لكم ما وراء» من حرم من سائر القرابة ، فهن حلال لكم تزويجهن ، وقال قتادة : المعنى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) من الإماء.
قال القاضي أبو محمد : ولفظ الآية يعم جميع هذه الأقوال ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر «وأحل لكم» بفتح الألف والحاء ، وهذه مناسبة لقوله (كِتابَ اللهِ) إذ المعنى كتب الله ذلك كتابا ، وقرأ حمزة والكسائي «وأحل» بضم الهمزة وكسر الحاء وهذه مناسبة لقوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ) والوراء في هذه الآية ما يعتبر أمره بعد اعتبار المحرمات ، فهن وراء أولئك بهذا الوجه ، و (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ) ، لفظ يجمع التزوج والشراء و (أَنْ) في موضع نصب ، وعلى قراءة حمزة في موضع رفع ، ويحتمل النصب بإسقاط الباء ، و (مُحْصِنِينَ) ، معناه متعففين أي تحصنون أنفسكم بذلك (غَيْرَ مُسافِحِينَ) ، أي غير زناة ، والسفاح : الزنا ، وهو مأخوذ من سفح الماء أي صبه وسيلانه ، ولزم هذا الاسم الزنا ومنه قول النبي صلىاللهعليهوسلم حين سمع الدفاف في عرس : هذا النكاح لا السفاح ولا نكاح السر ، واختلف المفسرون في معنى قوله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) فقال ابن عباس ومجاهد والحسن وابن زيد وغيرهم : المعنى فإذا استمتعتم بالزوجة ووقع الوطء ولو مرة فقد وجب إعطاء الأجر ، وهو المهر كله ، ولفظة (فَمَا) تعطي أن بيسير الوطء يجب إيتاء الأجر ، وروي عن ابن عباس أيضا ومجاهد والسدي وغيرهم : أن الآية في نكاح المتعة ، وقرأ ابن عباس وأبيّ بن كعب وسعيد بن جبير ، «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهنّ أجورهن» وقال ابن عباس لأبي نضرة : هكذا أنزلها الله عزوجل ، وروى الحكم بن عتيبة ، أن عليا رضي الله عنه قال : لو لا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقيّ ، وقد كانت المتعة في صدر الإسلام ، ثم نهى عنها النبي عليهالسلام ، وقال ابن المسيب : نسختها آية الميراث ، إذ كانت المتعة لا ميراث فيها ، وقيل قول الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) [الطلاق : ١] وقالت عائشة : نسخها قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ) ولا زوجية مع الأجل ورفع الطلاق ، والعدة ، والميراث ، وكانت : أن يتزوج الرجل المرأة بشاهدين وإذن الولي إلى أجل مسمى ، وعلى أن لا ميراث بينهما ، ويعطيها ما اتفقا عليه ، فإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل ، وتستبرئ رحمها لأن الولد لاحق فيه بلا شك ، فإن لم تحمل حلت لغيره.
قال القاضي أبو محمد : وفي كتاب النحاس : في هذا خطأ فاحش في اللفظ ، يوهم أن الولد لا يلحق في نكاح المتعة ، وحكى المهدوي عن ابن المسيب : أن نكاح المتعة كان بلا ولي ولا شهود ، وفيما حكاه ضعف ، و (فَرِيضَةً) نصب على المصدر في موضع الحال ، واختلف المفسرون في معنى قوله : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) الآية ، فقال القائلون بأن الآية المتقدمة أمر بإيتاء مهور النساء إذا دخل بهن : إن هذه إشارة