سعيد الخدري : هن ذوات الأزواج ، أي هن محرمات ، إلا ما ملكت اليمين بالسبي ، من أرض الحرب ، فإن تلك حلال للذي تقع في سهمه ، وإن كان لها زوج ، وروى أبو سعيد الخدري : أن الآية نزلت بسبب أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث جيشا إلى أوطاس فلقوا عدوا وأصابوا سبيا لهن أزواج من المشركين ، فتأثم المسلمون من غشيانهن ، فنزلت الآية مرخصة ، وقال عبد الله بن مسعود وسعيد بن المسيب والحسن ابن أبي الحسن وأبيّ بن كعب وجابر بن عبد الله وابن عباس أيضا : معنى (الْمُحْصَناتُ) ذوات الأزواج ، فهن حرام إلا أن يشتري الرجل الأمة ذات الزوج ، فإن بيعها طلاقها ، وهبتها طلاقها والصدقة بها طلاقها ، وأن تعتق طلاقها ، وأن تورث طلاقها ، وتطليق الزوج طلاقها ، وقال ابن مسعود : إذا بيعت الأمة ولها زوج فالمشتري أحقّ ببضعها ، ومذهب مالك والشافعي وجمهور العلماء أن انتقال الملك في الأمة لا يكون طلاقا ، ولا طلاق لها إلا الطلاق ، وقال قوم : (الْمُحْصَناتُ) في هذه الآية العفائف ، أي كل النساء حرام ، وألبسهن اسم الإحصان ، إذ الشرائع في أنفسها تقتضي ذلك ، (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) قالوا : معناه بنكاح أو شراء ، كل ذلك تحت ملك اليمين ، قال بهذا القول أبو العالية وعبيدة السلماني وطاوس وسعيد بن جبير وعطاء ، ورواه عبيدة عن عمر رضي الله عنه ، وقال ابن عباس: (الْمُحْصَناتُ) العفائف من المسلمين ومن أهل الكتاب.
قال القاضي أبو محمد : وبهذا التأويل يرجع معنى الآية إلى تحريم الزنا ، وأسند الطبري عن عروة أنه قال في تأويل قوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ) : هن الحرائر ، ويكون (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) معناه بنكاح ، هذا على اتصال الاستثناء ، وإن أريد الإماء فيكون الاستثناء منقطعا ، وروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال : كان نساء يأتيننا مهاجرات ، ثم يهاجر أزواجهن فمنعناهن بقوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ) الآية.
قال القاضي أبو محمد : وهذا قول يرجع إلى ما قد ذكر من الأقوال ، وأسند الطبري أن رجلا قال لسعيد بن جبير : أما رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه الآية (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) فلم يقل فيها شيئا؟ فقال سعيد : كان ابن عباس لا يعلمها ، وأسند أيضا عن مجاهد أنه قال : لو أعلم من يفسر لي هذه الآية لضربت إليه أكباد الإبل ، قوله : (وَالْمُحْصَناتُ) إلى قوله : (حَكِيماً).
قال القاضي أبو محمد : ولا أدري كيف نسب هذا القول إلى ابن عباس ولا كيف انتهى مجاهد إلى هذا القول؟ وروي عن ابن شهاب أنه سئل عن هذه الآية (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) فقال : يروى أنه حرم في هذه الآية ذوات الأزواج والعفائف من حرائر ومملوكات ، ولم يحل شيئا من ذلك إلا بالنكاح أو الشراء والتملك ، وهذا قول حسن عمم لفظ الإحسان ولفظ ملك اليمين ، وعلى هذا التأويل يتخرج عندي قول مالك في الموطأ ، فإنه قال : هن ذوات الأزواج ، وذلك راجع إلى أن الله حرم الزنا ، ففسر الإحصان بالزواج ، ثم عاد عليه بالعفة ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة ، «والمحصنات» بفتح الصاد في كل القرآن ، وقرأ الكسائي كذلك في هذا الموضع وحده ، وقرأ سائر ما في القرآن المحصنات بكسر الصاد «ومحصنات» كذلك ، وروي عن علقمة أنه قرأ جميع ما في القرآن بكسر الصاد ، ففتح الصاد هو على معنى أحصنهن غيرهن من زوج أو إسلام أو عفة أو حرية وكسر الصاد هو على معنى أنهن أحصنّ أنفسهن بهذه الوجوه أو ببعضها ، وقرأ يزيد بن قطيب «والمحصنات» بضم الصاد ، وهذا على إتباع الضمة الضمة ، وقرأ جمهور الناس «كتاب الله» وذلك نصب على المصدر المؤكد ، وقرأ أبو حيوة