وقوله : (عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) عموم أي على كل شيء جائز أن يوصف الله تعالى بالقدرة عليه ، وقوله تعالى : (وَهُوَ الْقاهِرُ) الآية ، أي وهو عزوجل المستولي المقتدر ، و (فَوْقَ) نصب على الظرف لا في المكان بل في المعنى الذي تضمنه لفظ القاهر ، كما تقول زيد فوق عمرو في المنزلة ، وحقيقة فوق في الأماكن ، وهي في المعاني مستعارة شبه بها من هو رافع رتبة في معنى ما ، لما كانت في الأماكن تنبىء حقيقة عن الأرفع وحكى المهدوي : أنها بتقدير الحال ، كأنه قال : وهو القاهر غالبا.
قال القاضي أبو محمد : وهذا لا يسلم من الاعتراض أيضا والأول عندي أصوب : و «العباد» بمعنى العبيد وهما جمعان للعبد أما أنا نجد ورود لفظة العباد في القرآن وغيره في مواضع تفخيم أو ترفيع أو كرامة ، وورود لفظة العبيد في تحقير أو استضعاف أو قصد ذم ، ألا ترى قول امرئ القيس : [السريع]
قولا لدودان عبيد العصا
ولا يستقيم أن يقال هنا عباد العصا وكذلك الذين سموا العباد لا يستقيم أن يقال لهم العبيد لأنهم أفخم من ذلك ، وكذلك قول حمزة رضي الله عنه وهل أنتم إلا عبيد لأبي ، لا يستقيم فيه عباد ، و (الْحَكِيمُ) بمعنى المحكم ، و (الْخَبِيرُ) دالة على مبالغة العلم ، وهما وصفان مناسبان لنمط الآية.
قوله عزوجل :
(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (١٩)
(أَيُ) استفهام ، وهي معربة مع إبهامها ، وإنما كان ذلك لأنها تلتزم الإضافة ولأنها تتضمن علم جزء من المستفهم عنه غير معين ، لأنك إذا قلت أي الرجلين جاءنا فقد كنت تعلم أن أحدهما جاء غير معين فأخرجها هذان الوجهان عن غمرة الإبهام فأعربت ، وتتضمن هذه الآية أن الله عزوجل يقال عليه (شَيْءٍ) كما يقال عليه موجود ، ولكن ليس كمثله تبارك وتعالى شيء ، و (شَهادَةً) نصب على التمييز ويصح على المفعول بأن يحمل (أَكْبَرُ) على التشبيه بالصفة المشبهة باسم الفاعل وهذه الآية مثل قوله تعالى (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ) [الأنعام : ١٢] في أن استفهم على جهة التوقيف والتقدير ثم بادر إلى الجواب إذ لا تتصور فيه مدافعة ، وهذا كما تقول لمن تخاصمه وتتظلم منه من أقدر من في البلد ثم تبادر وتقول السلطان فهو يحول بيننا ، ونحو هذا من الأمثلة ، فتقدير الآية أنه قال لهم أي شيء أكبر شهادة الله أكبر شهادة ، فهو شهيد بيني وبينكم ، ف (اللهُ) رفع بالابتداء وخبره مضمر يدل عليه ظاهر الكلام كما قدرناه ، و (شَهِيدٌ) خبر ابتداء مضمر.
وقال مجاهد المعنى أن الله تعالى قال لنبيه عليهالسلام : قل لهم : أي شيء أكبر شهادة؟ وقل لهم : الله شهيد بيني وبينكم لما عيوا عن الجواب ، ف (شَهِيدٌ) على هذا التأويل خبر لله وليس في هذا التأويل مبادرة من السائل إلى الجواب المراد بقوله : (شَهِيدٌ ، بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) أي في تبليغي ، وقرأت فرقة : «وأوحى إليّ