الذي أسند إليه الفعل هو الضمير العائد على العذاب فهو مقدر ، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم أيضا : «من يصرف عنه» فيسند الفعل إلى الضمير العائد إلى (رَبِّي) ويعمل في ضمير العذاب المذكور آنفا لكنه مفعول محذوف وحكي أنه ظهر في قراءة عبد الله وهي «من يصرفه عنه يومئذ» ، وفي قراءة أبيّ بن كعب «من يصرفه الله عنه» وقيل : إنها من يصرف الله عنه ، قال أبو علي وحذف هذا الضمير لا يحسن كما يحسن حذف الضمير من الصلة كقوله عزوجل : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) [الفرقان : ٤١] وكقوله : (وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) [النمل : ٥٩] معناه بعثه واصطفاهم فحسن هذا للطول كما علله سيبويه ، ولا يحسن هذا لعدم الصلة ، قال بعض الناس القراءة بفتح الياء «من يصرف» أحسن لأنه يناسب (فَقَدْ رَحِمَهُ) وكان الأولى على القراءة الأخرى «فقد رحم» ليتناسب الفعلان.
قال القاضي أبو محمد : وهذا توجيه لفظي تعلقه خفيف ، وأما بالمعنى فالقراءتان واحد ، ورجح قوم قراءة ضم الياء لأنها أقل إضمارا ، وأشار أبو علي إلى تحسين القراءة بفتح الياء بما ذكرناه ، وأما مكي بن أبي طالب رحمهالله فتخبط في كتاب الهداية في ترجيح القراءة بفتح الياء ، ومثل في احتجاجه بأمثلة فاسدة والله ولي التوفيق ، ورحم عامل في الضمير المتصل وهو ضمير من ومستند إلى الضمير العائد إلى ربي ، وقوله : (وَذلِكَ) إشارة إلى صرف العذاب وإلى الرحمة ، والفوز والنجاة.
قوله عزوجل :
(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(١٧) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (١٨)
(يَمْسَسْكَ) معناه يصبك وينلك ، وحقيقة المس هي بتلافي جسمين فكأن الإنسان والضر يتماسان ، و «الضّر» بضم الضاد سوء الحال في الجسم وغيره ، «والضّر» بفتح الضاد ضد النفع ، وناب الضر في هذه الآية مناب الشر وإن كان الشر أعم منه فقابل الخير ، وهذا من الفصاحة عدول عن قانون التكلف والصنعة فإن باب التكلف وترصيع الكلام أن يكون الشيء مقترنا بالذي يختص به بنوع من أنواع الاختصاص موافقة أو مضادة ، فمن ذلك قوله تعالى : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) [طه : ١١٨ ، ١١٩] فجعل الجوع مع العري وبابه أن يكون مع الظمأ ومنه قول امرئ القيس : [الطويل]
كأنّي لم أركب جوادا للذّة |
|
ولم أتبطّن كاعبا ذات خلخال |
ولم أسبإ الزّقّ الرّويّ ولم أقل |
|
لخيلي كرّي كرّة بعد إجفال |
وهذا كثير ، قال السدي «الضر» هاهنا المرض والخير العافية.
قال القاضي أبو محمد : وهذا مثال ومعنى الآية الإخبار عن أن الأشياء كلها بيد الله إن ضر فلا كاشف لضره غيره وإن أصاب بخير فكذلك أيضا لا راد له ولا مانع منه ، هذا تقرير الكلام ، ولكن وضع بدل هذا المقدر لفظا أعم منه يستوعبه وغيره ، وهو قوله : (عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ودل ظاهر الكلام على المقدر فيه ،