التي تناسبه في الثبوت وحصول الوقوع ، وضرب في الضد من ذلك نحو طمعت ورجوت وخفت هو مصرح بأن لم يقع ، فهذا الضرب تليه «أن» الخفيفة إذ هي تناسبه ، كقوله تعالى ، (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي) [الشعراء : ٨٢] و (تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) [الأنفال : ٢٦](فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) [البقرة : ٢٢٩] و (فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً) [الكهف : ٨٠](أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا) [المجادلة : ١٣] ونحو هذا ، وضرب ثالث ينجذب إلى الأول مرة وإلى الثاني أحيانا نحو ظننت وحسبت وزعمت فيجري مجرى أرجو وأطمع ، من حيث الظن والزعم والمحسبة أمور غير ثابتة ولا مستقرة ، وقد تنزل منزلة العلم من حيث تستعمل استعماله ، كقوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) [البقرة : ٤٦] وقوله (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) [الحاقة : ٢٠] وقرأ جمهور الناس «عموا وصموا» بفتح العين والصاد ، وقرأ ابن وثاب والنخعي «عموا وصموا» بضم العين والميم مخففة وبضم الصاد وهذا هو على أن تجرى مجرى زكم الرجل وأزكمه الله وحم الرجل وأحمه الله ، ولا يقال زكمه الله ولا حمه الله ، فكذلك يجيء هذا عمى الرجل وأعماه غيره ، وصم وأصمه غيره ، ولا يقال عميته ولا صممته ، وقوله تعالى : (ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ) أي رجع بهم إلى الطاعة والحق ، ومن فصاحة اللفظ استناد هذا الفعل الشريف إلى الله تعالى ، واستناد العمى والصمم اللذين هما عبارة عن الضلال إليهم ، وقوله تعالى (كَثِيرٌ) يرتفع من إحدى ثلاث جهات ، إما على البدل من الواو في قوله : (عَمُوا وَصَمُّوا) وإما على جمع الفعل وإن تقدم على لغة من قال : أكلوني البراغيث ، وإما على أن يكون (كَثِيرٌ) خبر ابتداء مضمر.
ثم أخبر تعالى إخبارا مؤكدا بلام القسم عن كفر القائلين : (إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) وهذا قول اليعقوبية من النصارى ، ثم أخبر تعالى عن قول المسيح لهم وتبليغه كيف كان؟ فقال : (وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ) الآية ، وهذه المعاني قول المسيح بألفاظ لغته ، وهي بعينها موجودة في تبليغ محمد صلىاللهعليهوسلم في قوله (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) [النساء : ٤٨ ـ ١١٦] إلى غير ذلك من الآيات ، وأخبرهم عيسى عليهالسلام أن الله تعالى هو ربه وربهم فضلوا هم وكفروا بسبب ما رأوا على يديه من الآيات ، و «المأوى» هو المحل الذي يسكنه المرء ويرجع إليه ، وقوله تعالى (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) يحتمل أن يكون من قول عيسى عليهالسلام لبني إسرائيل ، ويحتمل أن يكون إخبارا مستأنفا لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وقد تقدم القول في تفسير لفظة المسيح في سورة آل عمران.
قوله تعالى :
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٧٥)
هذه الآية إخبار مؤكد كالذي قبله ، وهو عن هذه الفرقة الناطقة بالتثليث وهي فيما يقال الملكية وهم