فأداره على الصخرة فتقورت ودخلت في عنق عوج ، وضربه «موسى» فمات ، وحكى الطبري أن طول عوج ثمانمائة ذراع ، وحكي عن ابن عباس أنه قال لما خر كان جسرا على النيل سنة.
قال القاضي أبو محمد : والنيل ليس في تلك الأقطار وهذا كله ضعيف والله أعلم ، وحكى الزجاج عن قوم أن «موسى» وهارون لم يكونا في التيه ، والعامل في (أَرْبَعِينَ) يحتمل أن يكون (مُحَرَّمَةٌ) ، أي حرمت عليهم (أَرْبَعِينَ سَنَةً) و (يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) هذه المدة ثم تفتح عليهم ، أدرك ذلك من أدركه ومات قبله من مات. وخطأ أبو إسحاق أن يكون العامل (مُحَرَّمَةٌ) ، وذلك منه تحامل ، ويحتمل أن يكون العامل (يَتِيهُونَ) مضمرا يدل عليه (يَتِيهُونَ) المتأخر ، ويكون قوله إنها محرمة إخبار مستمر تلقوا منه أن المخاطبين لا يدخلونها أبدا ، وأنهم مع ذلك «يتيهون في الأرض أربعين سنة» يموت فيها من مات.
قال القاضي أبو محمد : والخطاب على هذا التأويل أصعب موقفا وأحضر يأسا. وروي أن من كان قد جاوز عشرين سنة لم يعش إلى الخروج من التيه ، وأن من كان دون العشرين عاشوا.
قال القاضي أبو محمد : كأنه لم يعش المكلفون أشار إلى ذلك الزجاج ، والتيه الذهاب في الأرض إلى غير مقصد معلوم ، ويروى أن بني إسرائيل كانوا يرحلون بالليل ويسيرون ليلهم أجمع في تحليق ونحوه من التردد وقلة استقامة السير ، حتى إذا أصبحوا وجدوا جملتهم في الموضع الذي كانوا فيه أول الليل ، قال مجاهد وغيره كانوا يسيرون النهار أحيانا والليل أحيانا فيمسون حيث أصبحوا ويصبحون حيث أمسوا ، وذلك في مقدار ستة فراسخ.
قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن يكون تيههم بافتراق الكلمة وقلة اجتماع الرأي ، وإن الله تعالى رماهم بالاختلاف وعلموا أنها قد حرمت عليهم «أربعين سنة». فتفرقت منازلهم في ذلك الفحص وأقاموا ينتقلون من موضع إلى موضع على غير نظام واجتماع ، حتى كملت هذه المدة وأذن الله بخروجهم وهذا تيه ممكن محتمل على عرف البشر. والآخر الذي ذكر مجاهد إنما هو خرق عادة وعجب من قدرة الله تعالى ، وفي ذلك التيه ظلل عليهم الغمام ورزقوا المن والسلوى إلى غير ذلك مما روي من ملابسهم ، وقد مضى ذلك في سورة البقرة ، وقوله تعالى : (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) معناه فلا تحزن يقال أسي : الرجل يأسى أسى إذا حزن ومنه قول امرئ القيس :
وقوفا بها صحبي عليّ مطيهم |
|
يقولون لا تهلك أسىّ وتجمل |
ومنه قول متمم بن نويرة :
فقلت لهم إن الأسى يبعث الأسى |
|
دعوني فهذا كله قبر مالك |
والخطاب بهذه الآية لموسى عليهالسلام ، قال ابن عباس ندم «موسى» على دعائه على قومه وحزن عليهم ، فقال له الله : (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ). وقال قوم من المفسرين الخطاب بهذه الألفاظ لمحمد صلىاللهعليهوسلم ويراد ب (الْفاسِقِينَ) معاصروه ، أي هذه أفعال أسلافهم فلا تحزن أنت بسبب أفعالهم الخبيثة معك وردهم عليك ، فإنها سجية خبيثة موروثة عندهم.