قال القاضي أبو محمد : وهذا ليس بذنب ، لأن النبي صلىاللهعليهوسلم إنما دافع عن الظاهر ، وهو يعتقد براءتهم ، والمعنى : استغفر للمذنبين من أمتك والمتخاصمين في الباطل ، لا أن تكون ذا جدال عنهم ، فهذا حدك ، ومحلك من الناس أن تسمع من المتداعيين وتقضي بنحو ما تسمع ، وتستغفر للمذنب.
وقوله تعالى : (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) لفظ عام يندرج طيه أصحاب النازلة ويتقرر به توبيخهم ، وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً) رفق وإبقاء ، فإن الخوان : هو الذي تتكرر منه الخيانة ، والأثيم : هو الذي يقصدها ، فيخرج من هذا الشديد الساقط مرة واحدة ونحو ذلك مما يجيء من الخيانة بغير قصد أو على غفلة. واختيان الأنفس : هو بما يعود عليها من الإثم والعقوبة في الدنيا والآخرة.
قوله تعالى :
(يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (١٠٨) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (١٠٩) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً) (١١٠)
الضمير في (يَسْتَخْفُونَ) للصنف المرتكب للمعاصي مستسرين بذلك عن الناس مباهتين لهم ، واندرج في طي هذا العموم ، ودخل تحت هذه الأنحاء أهل الخيانة في النازلة المذكورة ، وأهل التعصب لهم والتدبير في خدع النبي صلىاللهعليهوسلم والتلبس عليه ، ويحتمل أن يكون الضمير لأهل هذه النازلة ، ويدخل في معنى هذا التوبيخ كل من فعل نحو فعلهم ، ومعنى (وَهُوَ مَعَهُمْ) بالإحاطة والعلم والقدرة ، و (يُبَيِّتُونَ) يدبرون ليلا ، انطلقت العبارة على كل استسرار بهذا ، إذ الليل مظنة الاستتار والاختفاء ، قال الطبري : وزعم بعض الطائيين : أن التبييت في لغتهم التبديل ، وأنشد للأسود بن عامر بن جوين الطائي : المتقارب]
وبيّت قولي عند الملي |
|
ك قاتلك الله عبدا كنودا |
وقال أبو زيد (يُبَيِّتُونَ) معناه : يؤلفون ، ويحتمل أن تكون اللفظة مأخوذة من البيت ، أي : يستسرون في تدبيرهم بالجدرات.
وقوله تعالى : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) قد تقدمت وجوه القراءات فيه في سورة آل عمران ، والخطاب بهذه الآية للقوم الذين يتعصبون لأهل الريب والمعاصي ، ويندرج طي هذا العموم أهل النازلة ، ويحتمل أن يكون الخطاب لأهل التعصب في هذه النازلة وهو الأظهر عندي بحكم التأكيد ب (هؤُلاءِ) ، وهي إشارة إلى حاضرين ، وقد تقدم إعراب مثل هذه الآية في سورة آل عمران ، «والمجادلة» : المدافعة بالقول وهي من فتل الكلام وليه ، إذ الجدل الفتل ، وقوله تعالى : (فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) وعيد محض ، أي إن