قال قتادة بن النعمان : وكان بنو أبيرق أهل فاقة ، فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملا من دومك الشام فجعله في مشربة له ، وفي المشربة درعان له وسيفان ، فعدي على المشربة من الميل فنقبت وأخذ الطعام والسلاح ، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة فقال : يا بن أخي ، تعلم أنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه فنقبت مشربتنا وذهب بطعامنا وسلاحنا ، فقال : فتحسسنا في الدار وسألنا ، فقيل لنا : قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة ولا نراه إلا على بعض طعامكم ، قال : وقد كان بنو أبيرق قالوا : «ونحن نسأل» والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل ، رجل منا له صلاح وإسلام ، فسمع ذلك لبيد فاخترط سيفه ثم أتى بني أبيرق فقال : والله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن هذه السرقة ، قالوا : إليك عنا أيها الرجل ، فو الله ما أنت بصاحبنا فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها فقال لي عمي : يا بن أخي لو أتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبرته بهذه القصة ، فأتيته عليهالسلام فقصصتها عليه ، فقال : انظر في ذلك ، فلما سمع بذلك بنو أبيرق ، أتوا رجلا منهم يقال له : أسير بن عروة فكلموه في ذلك ، واجتمع إليه ناس من أهل الدار ، فأتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة على بينة ، قال قتادة : فأتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فكلمته ، قال : عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح فرميتهم بالسرقة عن غير بينة ، قال: فرجعت وقد وددت أن أخرج عن بعض مالي ولم أكلمه ، فأتيت عمي فقال : ما صنعت؟ فأخبرته بما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : الله المستعان ، فلم نلبث أن نزل القرآن (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) الآيات. فالخائنون بنو أبيرق ، والبريء المرمي لبيد بن سهل ، والطائفة التي همت : أسير وأصحابه.
قال القاضي أبو محمد : وقال قتادة وغير واحد من المتأولين : هذه القصة ونحوها إنما كان صاحبها طعمة بن أبيرق ، ويقال فيه : طعيمة ، وقال السدي : القصة في طعمة بن أبيرق لكن بأن استودعه يهودي درعا فجحده إياها وخانه فيها وطرحها في دار أبي مليل الأنصاري ، وأراد أن يرميه بسرقتها لما افتضح ، وأبو مليل هو البريء المشار إليه ، وقال عكرمة : سرق طعمة بن أبيرق درعا من مشربة ورمى بسرقتها رجلا من اليهود يقال له : زيد بن السمين.
قال القاضي أبو محمد : وجملة هذا يستدير على أن قوم طعمة أتوا النبي وكلموه في أن يذب عن طعمة ويرفع الدعوى عنه ، ودفعوا هم عنه ومنهم من يعلم أنه سرق ، فكانت هذه معصية من مؤمنيهم ، وخلق مقصود من منافقيهم فعصم الله رسوله من ذلك ، ونبه على مقاله لقتادة بن النعمان بقوله : (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً)
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمهالله : وطعيمة بن أبيرق صرح بعد ذلك بالارتداد وهرب إلى مكة ، ونزل على سلافة فرماها حسان بن ثابت بشعر ، فأخذت رحل طعمة ورمت به في الأبطح وقالت: اخرج عنا ، أهديت إليّ شعر حسان ، فروي : أنه نزل على الحجاج بن علاط وسرقه فطرده ، وروي ؛ أنه نقب حائط بيت ليسرقه فانهدم الحائط عليه فقتله ، وروي : أنه اتبع قوما من العرب فسرقهم فقتلوه.
وقوله تعالى : (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) ذهب الطبري إلى أن المعنى استغفر الله من ذنبك في خصامك للخائنين.