تكفيرهم بالمعاصي ، وأما العباس فقد ذكر ابن عبد البر رحمهالله أنه أسلم قبل بدر ، ولذلك قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم في يوم بدر من لقي العباس فلا يقتله ، فإنما أخرج كرها.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق ـ رحمهالله ـ وذكر أنه إنما أسلم مأسورا حين ذكر له النبي صلىاللهعليهوسلم أمر المال الذي ترك عند أم الفضل ، وذكر أنه أسلم في عام خيبر ، وكان يكتب إلى رسول الله بأخبار المشركين ، وكان يحب أن يهاجر ، فكتب إليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن امكث بمكة فمقامك بها أنفع لنا.
قال القاضي أبو محمد : لكن عامله رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين أسر على ظاهر أمره.
وقوله تعالى : (تَوَفَّاهُمُ) يحتمل أن يكون فعلا ماضيا لم يستند بعلامة تأنيث ، إذ تأنيث لفظ (الْمَلائِكَةُ) غير حقيقي ، ويحتمل أن يكون فعلا مستقبلا على معنى تتوفاهم ، فحذفت إحدى التاءين ويكون في العبارة إشارة إلى ما يأتي من هذا المعنى في المستقبل بعد نزول الآية. وقرأ إبراهيم «توفاهم» بضم التاء ، قال أبو الفتح : كأنه يدفعون إلى الملائكة ويحتسبون عليهم. و «توفاهم» بفتح التاء معناه : تقبض أرواحهم ، وحكى ابن فورك عن الحسن أن المعنى : تحشرهم إلى النار و (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) نصب على الحال أي ظالميها بترك الهجرة ، قال الزجّاج : حذفت النون من «ظالمين» تخفيفا ، كقوله تعالى : (بالِغَ الْكَعْبَةِ) [المائدة : ٩٥] ، وقول الملائكة (فِيمَ كُنْتُمْ)؟ تقرير وتوبيخ ، وقول هؤلاء (كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) اعتذار غير صحيح ، إذ كانوا يستطيعون الحيل ويهتدون السبيل ثم وقفتهم الملائكة على ذنبهم بقولهم (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً) والأرض في قول هؤلاء هي أرض مكة خاصة ، و (أَرْضُ اللهِ) هي الأرض بالإطلاق. والمراد فتهاجروا فيها إلى موضع الأمن ، وهذه المقالة إنما هي بعد توفي الملائكة لأرواح هؤلاء. وهي دالة على أنهم ماتوا مسلمين ، وإلا فلو ماتوا كافرين لم يقل لهم شيء من هذا ، وإنما أضرب عن ذكرهم في الصحابة لشدة ما واقعوه ، ولعدم تعين أحد منهم بالإيمان ، ولاحتمال ردته ، وتوعدهم الله تعالى بأن (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ).
ثم استثنى منهم من كان استضعافه على حقيقة من زمنة الرجال وضعفة النساء والولدان ، كعياش بن أبي ربيعة والوليد بن هشام وغيرهما ، قال ابن عباس : كنت أنا وأمي من المستضعفين ، هي من النساء وأنا من الولدان ، والحيلة : لفظ عام لأسباب أنواع التخلص ، و «السبيل» : سبيل المدينة فيما ذكر مجاهد والسدي وغيرهما والصواب أنه عام في جميع السبل.
ثم رجّى الله تعالى هؤلاء بالعفو عنهم ، و (عَسَى) من الله واجبة. أما أنها دالة على ثقل الأمر المعفو عنه ، قال الحسن : (عَسَى) من الله واجبة ، قال غيره : هي بمنزلة الوعد ، إذ ليس يخبر ب (عَسَى) عن شك ولا توقع ، وهذا يرجع إلى الوجوب ، قال آخرون : هي على معتقد البشر ، أي ظنكم بمن هذه حاله ترجّي عفو الله عنه.
والمراغم : المتحول والمذهب ، كذا قال ابن عباس والضحاك والربيع وغيرهم ، ومنه قول النابغة الجعدي : [المتقارب]