قال أبو علي : «حكى أبو بكر بن السراج عن بعض من اختار القراءة ب «ملك» أن الله سبحانه قد وصف نفسه بأنه مالك كل شيء بقوله (رب العالمين) فلا فائدة في قراءة من قرأ مالك لأنها تكرير».
قال أبو علي ولا حجة في هذا ، لأن في التنزيل أشياء على هذه الصورة ، تقدم العام ثم ذكر الخاص ، كقوله تعالى : (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ) [الحشر : ٢٤] ف (الْخالِقُ) يعم وذكر (الْمُصَوِّرُ) لما في ذلك من التنبيه على الصنعة ووجوه الحكمة ، وكما قال تعالى : (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) [البقرة : ٤] بعد قوله : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [البقرة : ٣] والغيب يعم الآخرة وغيرها ولكن ذكرها لعظمها ، والتنبيه على وجوب اعتقادها ، والرد على الكفرة الجاحدين لها ، وكما قال تعالى : «الرحمن الرحيم» فذكر الرحمن الذي هو عام ، وذكر الرحيم بعده لتخصيص المؤمنين به في قوله تعالى : (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) [الأحزاب : ٤٣].
قال القاضي أبو محمد عبد الحق : وأيضا : فإن الرب يتصرف في كلام العرب بمعنى الملك كقوله : [الطويل]
(ومن قبل ربتني فضعت ربوب)
وغير ذلك من الشواهد ، فتنعكس الحجة على من قرأ «مالك يوم الدين» والجر في «ملك» أو «مالك» على كلتا القراءتين هو على الصفة للاسم المجرور قبله ، والصفات تجري على موصوفيها إذا لم تقطع عنهم لذم أو مدح ، والإضافة إلى (يَوْمِ الدِّينِ) في كلتا القراءتين من باب يا سارق الليلة أهل الدار ، اتسع في الظرف فنصب نصب المفعول به ، ثم وقعت الإضافة إليه على هذا الحد ، وليس هذا كإضافة قوله تعالى : (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) [الزخرف : ٨٥] ، لأن الساعة مفعول بها على الحقيقة ، أي إنه يعلم الساعة وحقيقتها ، فليس أمرها على ما الكفار عليه من إنكارها.
قال القاضي أبو محمد رحمهالله : وأما على المعنى الذي قاله ابن السراج من أن معنى «مالك يوم الدين» أنه يملك مجيئه ووقوعه ، فإن الإضافة إلى اليوم كإضافة المصدر إلى الساعة ، لأن اليوم على قوله مفعول به على الحقيقة ، وليس ظرفا اتسع فيه.
قال أبو علي : ومن قرأ «مالك يوم الدين» فأضاف اسم الفاعل إلى الظرف المتسع فيه فإنه حذف المفعول من الكلام للدلالة عليه تقديره مالك يوم الدين الاحكام ، ومثل هذه الآية في حذف المفعول به مع الظرف قوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة : ١٨٥] فنصب (الشَّهْرَ) على أنه ظرف والتقدير فمن شهد منكم المصر في الشهر ، ولو كان الشهر مفعولا للزم الصوم للمسافر ، لأن شهادته للشهر كشهادة المقيم ، وشهد يتعدى إلى مفعول يدل على ذلك قول الشاعر : [الطويل].
ويوما شهدناه سليما وعامرا
والدين لفظ يجيء في كلام العرب على أنحاء ، منها الملة. قال الله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) [آل عمران : ١٩] إلى كثير من الشواهد في هذا المعنى ، وسمي حظ الرجل منها في أقواله وأعماله واعتقاداته دينا ، فيقال فلان حسن الدين ، ومنه قول النبي صلىاللهعليهوسلم في رؤياه في قميص