وقالوا : إن لبيدا أراد التحية ، وقد يجري «اسم» في اللغة مجرى ذات العبارة ، وهو الأكثر من استعمالها ، فمنه قوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) [البقرة : ٣١] على أشهر التأويلات فيه. ومنه قول النبي عليهالسلام : «إن لله تسعة وتسعين اسما ، مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة» ، وعلى هذا النحو استعمل النحويون الاسم في تصريف أقوالهم فالذي يتنخل من هذا : أن الأسماء قد تجيء يراد بها ذوات المسميات ، وفي هذا يقال الاسم هو المسمى ، وقد تجيء يراد بها ذواتها نفسها لا مسمياتها. ومر بي أن مالكا رحمهالله سئل عن الاسم أهو المسمى؟ فقال : «ليس به ولا هو غيره» ، يريد دائما في كل موضع ، وهذا موافق لما قلناه ، والمكتوبة التي لفظها الله أبهر أسماء الله تعالى وأكثرها استعمالا ، وهو المتقدم لسائرها في الأغلب ، وإنما تجيء الأخر أوصافا ، واختلف الناس في اشتقاقه ، فقالت فرقة من أهل العلم : «هو اسم مرتجل ، لا اشتقاق له من فعل ، وإنما هو اسم موضوع له تبارك وتعالى ، والألف واللام لازمة له لا لتعريف ولا لغيره ، بل هكذا وضع الاسم». وذهب كثير من أهل العلم إلى أنه مشتق من أله الرجل إذا عبد ، وتأله إذا تنسك. ومن ذلك قول رؤبة بن العجاج : [الرجز]
لله در الغانيات المدّه |
|
سبّحن واسترجعن من تألّهي |
ومن ذلك قول الله تعالى : (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) [الأعراف : ١٢٧] على هذه القراءة فإن ابن عباس وغيره قال : وعبادتك ، قالوا : فاسم الله مشتق من هذا الفعل ، لأنه الذي يألهه كل خلق ويعبده ، حكاه النقاش في صدر سورة آل عمران فإلاه فعال من هذا.
واختلف كيف تعلل إله حتى جاء الله ، فقيل : حذفت الهمزة حذفا على غير قياس ودخلت الألف واللام للتعظيم على لاه ، وقيل بل دخلتا على اله ثم نقلت حركة الهمزة إلى اللام فجاء اللاه ثم أدغمت اللام في اللام. وقيل إن أصل الكلمة لاه ، وعليه دخلت الألف واللام ، والأول أقوى.
وروي عن الخليل أن أصل إله ولاه وأن الهمزة مبدلة من واو كما هي في إشاح ووشاح وإسادة ووسادة ، وقيل إن أصل الكلمة ولاه كما قال الخليل إلا أنها مأخوذة من وله الرجل إذا تحير ، لأنه ـ تعالى ـ تتحير الألباب في حقائق صفاته ، والفكر في المعرفة به ، وحذفت الألف الأخيرة من «الله» لئلا يشكل بخط اللات ، وقيل طرحت تخفيفا ، وقيل هي لغة فاستعملت في الخط ومنها قول الشاعر ابن الأعرابي : [الرجز]
أقبل سيل جاء من أمر الله |
|
يحرد حرد الجنّة المغلّة |
والرحمن صفة مبالغة من الرحمة ، ومعناها أنه انتهى إلى غاية الرحمة كما يدل على الانتهاء سكران وغضبان ، وهي صفة تختص بالله ولا تطلق على البشر ، وهي أبلغ من فعيل ، وفعيل أبلغ من فاعل ، لأن راحما يقال لمن رحم ولو مرة واحدة ، ورحيما يقال لمن كثر منه ذلك ، والرحمن النهاية في الرحمة. وقال بعض الناس : «الرحمن الرحيم» بمعنى واحد ، كالندمان والنديم ، وزعم أنهما من فعل واحد ، ولكن أحدهما أبلغ من الآخر. وأما المفسرون فعبروا عن «الرحمن الرحيم» بعبارات ، فمنها أن العرزمي قال : «معناه : الرحمن بجميع خلقه في الأمطار ، ونعم الحواس ، والنعم العامة ، الرحيم بالمؤمنين في الهداية لهم ، واللطف بهم» ومنها أن أبا سعيد الخدري وابن مسعود رويا : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال :