بثبوت المعتقد وتعاوره دائبا ، قال : وذلك أن الإيمان عرض وهو لا يثبت زمانين فهو للنبي صلىاللهعليهوسلم وللصلحاء متعاقب متوال ، وللفاسق والغافل غير متوال ، يصحبه حينا ويفارقه حينا في الفترة ، فذلك الآخر أكثر إيمانا ، فهذه هي الزيادة والنقص وفي هذا القول نظر ، وقوله تعالى : (فَزادَهُمْ إِيماناً) لا يتصور أن يكون من جهة الأدلة ، ويتصور في الآية الجهات الأخر الثلاث ، وروي أنه لما أخبر الوفد من عبد القيس رسول الله صلىاللهعليهوسلم بما حملهم أبو سفيان ، وأنه ينصرف إليهم بالناس ليستأصلهم ، وأخبر بذلك أيضا أعرابي ، شق ذلك على المسلمين فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : قولوا (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) فقالوا واستمرت عزائمهم على الصبر ودفع الله عنهم كل سوء ، وألقى الرعب في قلوب الكفار فمروا.
وقوله تعالى : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ) يريد في السلامة والظهور في اتباع العدو وحماية الحوزة ، وبفضل في الأجر الذي حازوه والفضل الذي تجللوه ، وباقي الآية بين قد مضت نظائره ، هذا هو تفسير الجمهور لهذه الآية ، وأنها غزوة ـ أحد ـ في الخرجة إلى حمراء الأسد وشذ مجاهد رحمهالله فقال : إن هذه الآية من قوله : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) إلى قوله : (فَضْلٍ عَظِيمٍ) إنما نزلت في خروج النبي عليهالسلام إلى بدر الصغرى ، وذلك أنه خرج لميعاد أبي سفيان في ـ أحد ـ إذ قال : موعدنا بدر من العام المقبل ، فقال النبي عليهالسلام : قولوا نعم : فخرج رسول الله قبل بدر وكان بها سوق عظيم ، فأعطى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أصحابه دراهم وقرب من بدر فجاءه نعيم بن مسعود الأشجعي فأخبره أن قريشا قد اجتمعت وأقبلت لحربه هي ومن انضاف إليها ، فأشفق المسلمون من ذلك لكنهم قالوا : (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) ، وصمموا حتى أتوا بدرا فلم يجدوا عدوا ووجدوا السوق فاشتروا بدراهمهم أدما وتجارة وانقلبوا ولم يلقوا كيدا وربحوا في تجارتهم ، فذلك قوله تعالى : (بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ) أي فضل في تلك التجارة ، والصواب ما قاله الجمهور : إن هذه الآية نزلت في غزوة حمراء الأسد ، وما قال ابن قتيبة وغيره : من أن لفظة (النَّاسُ) على رجل واحد من هذه الآية ، فقول ضعيف.
قوله تعالى :
(إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥) وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٧٦) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٧٧)
مقتضى (إِنَّما) في اللغة الحصر ، هذا منزع المتكلم بها من العرب ، ثم إذا نظر مقتضاها ـ عقلا ـ وهذا هو نظر الأصوليين ـ فهي تصلح للحصر وللتأكيد الذي يستعار له لفظ الحصر ، وهي في هذه الآية حاصرة ، والإشارة ب (ذلِكُمُ) إلى جميع ما جرى من أخبار الركب العبديين ، عن رسالة أبي سفيان ومن تحميل أبي سفيان ذلك الكلام ، ومن جزع من ذلك الخبر من مؤمن أو متردد ، و (ذلِكُمُ) في الإعراب ابتداء ، و (الشَّيْطانِ) مبتدأ آخر ، و (يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) خبر عن الشيطان ، والجملة خبر الابتداء