وقوله تعالى : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا) يحتمل أن تكون (الَّذِينَ) صفة للمؤمنين على قراءة من كسر الألف من «إن» ، والأظهر أن (الَّذِينَ) ابتداء وخبره في قوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) الآية ، فهذه الجملة هي خبر الابتداء الأول ، والمستجيبون لله والرسول هم الذين خرجوا مع النبيصلىاللهعليهوسلم إلى حمراء الأسد في طلب قريش وانتظارهم لهم وذلك أنه لما كان في يوم الأحد وهو الثاني من يوم أحد نادى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الناس باتباع المشركين ، وقال : لا يخرجن معنا إلا من شاهدنا بالأمس ، وكانت بالناس جراحة وقرح عظيم ، ولكن تجلدوا ونهض معه مائتا رجل من المؤمنين حتى بلغ حمراء الأسد ، وهي على ثمانية أميال من المدينة ، وأقام بها ثلاثة أيام ، وجرت قصة معبد بن أبي معبد التي ذكرناها ، ومرت قريش وانصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة ، فأنزل الله تعالى في شأن أولئك المستجيبين هذه الآية ، ومدحهم لصبرهم ، وروي أنه خرج في الناس أخوان وبهما جراحة شديدة وكان أحدهما قد ضعف ، فكان أخوه يحمله عقبة ويمشي هو عقبة ، ورغب جابر بن عبد الله إلى النبي صلىاللهعليهوسلم في الخروج معه فأذن له ، وأخبرهم تعالى أن الأجر العظيم قد تحصل لهم بهذه الفعلة ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنها غزوة.
قوله تعالى :
(الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (١٧٤)
(الَّذِينَ) صفة للمحسنين المذكورين ، وهذا القول هو الذي قاله الركب من عبد القيس لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، حين حملهم أبو سفيان ذلك ، وقد ذكرته قبل ، ف (النَّاسُ) الأول ركب عبد القيس و (النَّاسُ) الثاني عسكر قريش ، وقوله تعالى : (فَزادَهُمْ إِيماناً) ، أي ثبوتا واستعدادا ، فزيادة الإيمان في هذا هي في الأعمال ، وأطلق العلماء عبارة : أن الإيمان يزيد وينقص ، والعقيدة في هذا أن نفس الإيمان الذي هو تصديق واحد بشيء ما ، إنما هو معنى فرد لا تدخله زيادة إذا حصل ، ولا يبقى منه شيء إذا زال ، فلم يبق إلا أن تكون الزيادة والنقص في متعلقاته دون ذاته ، فذهب بعض العلماء إلى أنه يقال : يزيد وينقص من حيث تزيد الأعمال الصادرة عنه وتنقص ، لا سيما أن كثيرا من العلماء يوقعون اسم الإيمان على الطاعات ، وذهب قوم : إلى أن الزيادة في الإيمان إنما هي بنزول الفروض والإخبار في مدة النبي صلىاللهعليهوسلم ، وفي المعرفة بها بعد الجهل غابر الدهر وهذا إنما زيادة إيمان إلى إيمان ، فالقول فيه إن الإيمان يزيد وينقص قول مجازي ولا يتصور النقص فيه على هذا الحد وإنما يتصور الأنقص بالإضافة إلى الأعلم ، وذهب قوم من العلماء : إلى أن زيادة الإيمان ونقصه إنما هي من طريق الأدلة ، فتزيد الأدلة عند واحد ، فيقال في ذلك : إنها زيادة في الإيمان ، وهذا كما يقال في الكسوة ، إنها زيادة في الإيمان ، وذهب أبو المعالي في الإرشاد : إلى أن زيادة الإيمان ونقصانه إنما هو