والجراح الواقعة فيهم ، وقال الربيع وقتادة أيضا بعكس هذا الترتيب ، وقال السدي ومجاهد أيضا وغيرهما : بل الغم الأول هو قتلهم وجراحهم وكل ما جرى في ذلك المأزق ، والغم الثاني هو إشراف أبي سفيان على النبي ومن كان معه ، ذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم طفق يومئذ يدعو الناس حتى انتهى إلى قوم من أصحابه قد علوا صخرة في سفح الجبل فمشى نحوهم فأهوى إليه رجل بسهم ليرميه ، فقال : أنا رسول الله ، ففرحوا بذلك ، وفرح هو عليهالسلام إذ رأى من أصحابه الامتناع ، ثم أخذوا يتأسفون على ما فاتهم من الظفر ، وعلى من مات من أصحابهم فبينما هم كذلك إذ أشرف عليهم أبو سفيان من علو في خيل كثيرة ، فنسوا ما نزل بهم أولا ، وأهمهم أمر أبي سفيان ، فقال رسول الله عليهالسلام : ليس لهم أن يعلونا ، اللهم إن تقتل هذه العصابة لا تعبد ، ثم ندب أصحابه فرموهم بالحجارة ، وأغنى هنالك عمر بن الخطاب حتى أنزلوهم. واختلفت الروايات في هذه القصة من هزيمة ـ أحد ـ اختلافا كثيرا ، وذلك أن الأمر هول ، فكل أحد وصف ما رأى وسمع ، قال كعب بن مالك : أول من ميز رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنا ، رأيت عينيه تزهران تحت المغفر ، وروي أن الخيل المستعلية إنما كانت حملة خالد بن الوليد ، وأن أبا سفيان إنما دنا ، والنبي عليهالسلام في عرعرة الجبل ، ولأبي سفيان في ذلك الموقف قول كثير ، ولعمر معه مراجعة محفوظة اختصرتها إذ لا تخص الآية ، وقوله تعالى : (لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ) معناه : من الغنيمة و (ما أَصابَكُمْ) معناه : من القتل والجرح وذل الانهزام وما نيل من نبيكم.
قال القاضي أبو محمد : واللام من قوله : (لِكَيْلا) متعلقة بأثابكم ، المعنى : لتعلموا أن ما وقع بكم إنما هو بجنايتكم ، فأنتم آذيتم أنفسكم ، وعادة البشر أن جاني الذنب يصبر للعقوبة ، وأكثر قلق المعاقب وحزنه إنما هو مع ظنه البراءة بنفسه وفي قوله تعالى : (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) توعد.
ثم ذكر الله تعالى أمر النعاس الذي أمن به المؤمنين ، فغشي أهل الإخلاص ، وذلك أنه لما ارتحل أبو سفيان من موضع الحرب ، قال النبي عليهالسلام لعلي بحضرة أصحابه المتحيزين في تلك الساعة إليه : اذهب فانظر إلى القوم ، فإن جنبوا الخيل فهم ناهضون إلى مكة ، وإن كانوا على خيلهم فهم عامدون إلى المدينة ، فاتقوا الله واصبروا ، ووطنهم على القتال ، فمضى علي ثم رجع ، فأخبر أنهم جنبوا الخيل وقعدوا على أثقالهم عجالا ، فآمن الموقنون المصدقون رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وألقى الله عليهم النعاس ، وبقي المنافقون والذين في قلوبهم مرض لا يصدقون ، بل كان ظنهم أن أبا سفيان يؤم المدينة ولا بد ، فلم يقع على أحد منهم نوم ، وإنما كان همهم في أحوالهم الدنيوية ، قال أبو طلحة : لقد نمت في ذلك اليوم حتى سقط سيفي من يدي مرارا ، وقال الزبير بن العوام ، لقد رفعت رأسي يوم أحد من النوم فجعلت أنظر إلى أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ، فما منهم أحد إلا وهو يميل تحت جحفته ، وقال ابن مسعود : نعسنا يوم ـ أحد ـ والنعاس في الحرب أمنة من الله ، والنعاس في الصلاة من الشيطان ، وقرأ جمهور الناس «أمنة» بفتح الميم ، وقرأ ابن محيصن والنخعي «أمنة» بسكون الميم ، وهما بمعنى الأمن ، وفتح الميم أفصح ، وقوله : (نُعاساً) بدل ، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر «يغشي» بالياء حملا على لفظ النعاس بإسناد الفعل إلى ضمير البدل ، وقرأ حمزة والكسائي «تغشى» بالتاء حملا على لفظ ـ الأمنة ـ بإسناد الفعل إلى ضمير المبدل منه ، والواو في قوله تعالى : (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ) هي واو