وقرأ الحسن بن أبي الحسن وأبو عبد الرحمن واليزيد ومجاهد وقتادة «إذ تصعدون» بفتح التاء والعين ، من صعد إذا علا ، والمعنى بهذا صعود من صعد في الجبل والقراءة الأولى أكثر ، وقوله تعالى :
(وَلا تَلْوُونَ) مبالغة في صفة الانهزام وهو كما قال دريد :
وهل يرد المنهزم شيء؟
وهذا أشد من قول امرئ القيس : [الطويل]
أخو الجهد لا يلوي على من تعذّرا
وقرأ ابن محيصن وابن كثير في رواية شبل «إذ يصعدون ولا يلوون» بالياء فيهما على ذكر الغيب ، وقرأ بعض القراء «ولا تلؤون» بهمز الواو المضمومة ، وهذه لغة ، وقرأ بعضهم «ولا تلون» بضم اللام وواو واحدة ، وهي قراءة متركبة على لغة من همز الواو المضمومة ، ثم نقلت حركة الهمزة إلى اللام وحذفت إحدى الواوين الساكنتين ، وقرأ الأعمش وعاصم في رواية أبي بكر «تلوون» بضم التاء من ألوى وهي لغة ، وقرأ حميد بن قيس «على أحد» بضم الألف والحاء ، يريد الجبل ، والمعنى بذلك رسول الله عليهالسلام ، لأنه كان على الجبل ، والقراءة الشهيرة أقوى لأن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يكن على الجبل إلا بعد ما فر الناس عنه ، وهذه الحال من إصعادهم إنما كانت وهو يدعوهم ، وروي أنه كان ينادي : إليّ عباد الله ، والناس يفرون. وفي قوله تعالى : (فِي أُخْراكُمْ) مدح للنبي عليهالسلام فإن ذلك هو موقف الابطال في أعقاب الناس ، ومنه قول الزبير بن باطا ما فعل مقدمتنا إذ حملنا وحاميتنا إذ فررنا ، وكذلك كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم أشجع الناس ، ومنه قول سلمة بن الأكوع كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقوله تعالى : (فَأَثابَكُمْ) معناه : جازاكم على صنيعكم ، وسمي الغم ثوابا على معنى أنه القائم في هذه النازلة مقام الثواب ، وهذا كقوله : [الوافر]
تحيّة بينهم ضرب وجيع
وكقول الآخر : [الفرزدق] : [الطويل]
أخاف زيادا أن يكون عطاؤه |
|
أداهم سودا أو محدرجة سمرا |
فجعل القيود والسياط عطاء ، ومحدرجة : بمعنى مدحرجة ، واختلف الناس في معنى قوله تعالى : (غَمًّا بِغَمٍ) فقال قوم : المعنى «أثابكم غما» بسبب الغم الذي أدخلتموه على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وسائر المؤمنين ، بفشلكم وتنازعكم وعصيانكم.
قال القاضي أبو محمد : فالباء على هذا باء السبب ، وقال قوم : «أثابكم غما بغم» ، الذي أوقع على أيديكم بالكفار يوم بدر.
قال القاضي أبو محمد : فالباء باء معادلة ، كما قال أبو سفيان : يوم بيوم بدر والحرب سجال ، وقالت جماعة كبيرة من المتأولين : المعنى أثابكم غما على غم ، أو غما مع غم ، وهذه باء الجر المجرد ، واختلفوا في ترتيب هذين الغمين فقال قتادة ومجاهد : الغم الأول أن سمعوا : ألا إن محمدا قد قتل ، والثاني ، القتل