وأضعف ضعف المطواع ، وأما الرواية بضم الهاء فهي أمر بالهوان ، وما أعرف ذلك في شيء من مقاطع العرب ، وأما الشرع فقد قال النبي عليهالسلام : لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه ، ورأيت لعاصم أن المثل على ضم الهاء إنما هو من الهون الذي هو الرفق ، وليس من الهوان ، قال منذر بن سعيد : يجب بهذه الآية أن لا يوادع العدو ما كانت للمسلمين قوة ، فإن كانوا في قطر ما على غير ذلك فينظر الإمام لهم بالأصلح ، وقوله تعالى : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) إخبار بعلو كلمة الإسلام.
هذا قول الجمهور وظاهر اللفظ ، وقاله ابن إسحاق : وروي عن ابن عباس وابن جريج : إنما قال الله لهم ذلك بسبب علوهم في الجبل ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين انحاز في نفر يسير من أصحابه إلى الجبل ، فبينما هو كذلك إذ علا خالد بن الوليد عليهم الجبل فقال رسول الله عليهالسلام : اللهم لا يعلوننا ، ثم قام وقام من معه فقاتل أصحابه وقاتل حينئذ عمر بن الخطاب حتى أزالوا المشركين عن رأس الجبل ، وصعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه فيه ، فأنزل الله تعالى عليه ، (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) وقوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) يحتمل أن يتعلق الشرط بقوله (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا) فيكون المقصد هز النفوس وإقامتها ، ويحتمل أن يتعلق بقوله (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) فيكون الشرط على بابه دون تجوز ، ويترتب من ذلك الطعن على من نجم نفاقه في ذلك اليوم ، وعلى من تأود إيمانه واضطرب يقينه ، ألا لا يتحصل الوعد إلا بالإيمان ، فالزموه.
ثم قال تعالى ، تسلية للمؤمنين : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ) والأسوة مسلاة للبشر ، ومنه قول الخنساء : [الوافر]
ولو لا كثرة الباكين حولي |
|
على إخوانهم لقتلت نفسي |
وما يبكون مثل أخي ولكن |
|
أعزّي النّفس عنه بالتأسّي |
والسلو بالتأسي هو النفع الذي يجره إلى نفسه الشاهد المحدود ، فلذلك ردت شهادته فيما حد فيه وإن تاب وحسنت حاله ، و «القرح» : القتل والجراح ، قاله مجاهد والحسن والربيع وقتادة وغيرهم ، والمعنى : إن مسكم في أحد فقد مس كفار قريش ببدر بأيديكم ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية حفص : «قرح» بفتح القاف ، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر : «قرح» بضم القاف ، وكلهم سكن الراء ، قال أبو علي : هما لغتان كالضّعف والضّعف والكره والكره ، والفتح أولى ، لأنها لغة أهل الحجاز والأخذ بها أوجب لأن القرآن عليها نزل.
قال القاضي أبو محمد : هذه القراءات لا يظن إلا أنها مروية عن النبي عليهالسلام : وبجميعها عارض جبريل عليهالسلام مع طول السنين توسعة على هذه الأمة ، وتكملة للسبعة الأحرف حسب ما بيناه في صدر هذا التعليق ، وعلى هذا لا يقال : هذه أولى من جهة نزول القرآن بها ، وإن رجحت قراءة فبوجه غير وجه النزول ، قال أبو الحسن الأخفش : «القرح» و «القرح» مصدران بمعنى واحد ، ومن قال القرح بالفتح الجراحات بأعيانها ، والقرح بضم القاف ألم الجراحات قبل منه إذا أتى برواية ، لأن هذا مما لا يعلم بقياس ، وقال بهذا التفسير الطبري ، وقرأ الأعمش «إن تمسسكم» بالتاء من فوق ، «قروح» بالجمع ، «فقد