وقال ابن زيد : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) معناه : أمثال.
قال الفقيه الإمام : هذا تفسير لا يخص اللفظة ، وقال تعالى : (فَسِيرُوا) وهذا الأمر قد يدرك بالإخبار دون السير لأن الإخبار إنما يكون ممن سار وعاين ، إذ هو مما يدرك بحاسة البصر وعن ذلك ينتقل خبره ، فأحالهم الله تعالى على الوجه الأكمل ، وقوله : (فَانْظُروا) ، هو عند الجمهور من نظر العين ، وقال قوم : هو بالفكر.
وقوله تعالى : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ) قال الحسن : الإشارة إلى القرآن ، وقال قتادة في تفسير الآية : هو هذا القرآن جعله الله بيانا للناس عامة وهدى وموعظة للمتقين خاصة ، وقال بمثله ابن جريج والربيع.
قال القاضي : كونه بيانا للناس ظاهر ، وهو في ذاته أيضا هدى منصوب وموعظة ، لكن من عمي بالكفر وضل وقسا قلبه لا يحسن أن يضاف إليه القرآن ، وتحسن إضافته إلى «المتقين» الذين فيهم نفع وإياهم هدى ، وقال ابن إسحاق والطبري وجماعة : الإشارة ب (هذا) إلى قوله تعالى : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) الآية ، قال ابن إسحاق : المعنى هذا تفسير للناس إن قبلوه ، قال الشعبي : المعنى ، هذا بيان للناس من العمى.
ثم نهى عزوجل المؤمنين عن الوهن لما أصابهم بأحد ، والحزن على من فقد ، وعلى مذمة الهزيمة ، وآنسهم بأنهم (الْأَعْلَوْنَ) أصحاب العاقبة ، والوهن : الضعف ، واللين والبلى ، ومنه : (وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) [مريم : ٤] ومنه قول زهير : [البسيط]
فأصبح الحبل منها وأهنأ خلقا
ومن كرم الخلق ألا يهن الإنسان في حربه وخصامه ، ولا يلين إذا كان محقا ، وأن يتقصى جميع قدرته ولا يضرع ولو مات ، وإنما يحسن اللين في السلم والرضى ، ومنه قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «المؤمن هين لين ، والمؤمنون هينون لينون» ومنه قول الشاعر : [المنخل الهذلي] : [المتقارب].
لعمرك ما إن أبو مالك |
|
بواه ولا بضعيف قواه |
إذا سدته سدت مطواعة |
|
ومهما وكلت إليه كفاه |
وفي هذا الأسلوب الذي ذكرته يجري قول النابغة : ولا تقعد على ضمد
إلّا لمثلك أو من أنت سابقه
وفيه يجري قول العرب : إذا لم تغلب اخلب ، على من تأوله من المخلب ، أي حارب ولو بالأظافر ، وهذا هو فعل عبد الله بن طارق وهو من أصحاب عاصم بن عدي حين نزع يده من القرآن وقاتل حتى قتل ، وفعل المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح في يوم بئر معونة ، ومن رآه من معنى الخلب والخلابة الذي هو الخديعة والمكر ، فهو رأي دهاة العرب ، وليس برأي جمهورها ، ومنه فعل عمرو بن سعيد الأشدق مع عبد الملك بن مروان عند قتله إياه ، والأمثلة في ذلك كثيرة ، وأيضا فليس المكر والخديعة بذل محض ، ولذلك رآه بعضهم ، وأما قولهم إذا عز أخوك فهن ، فالرواية الصحيحة المعنى فيه بكسر الهاء بمعنى : لن