بالتقوى والطاعة والتقرب إلى ربكم إلى حال يغفر الله لكم فيها ، أي يستر ذنوبكم بعفوه عنها وإزالة حكمها ، ويدخلكم جنة ، قال أنس بن مالك ومكحول في تفسير (سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ) ، معناه : إلى تكبيرة الإحرام مع الإمام.
قال الفقيه القاضي : هذا مثال حسن يحتذى عليه في كل طاعة ، وقوله تعالى : (عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) تقديره : كعرض السماوات والأرض ، وهذا كقوله تعالى : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) [لقمان : ٢٨] أي كخلق نفس واحدة وبعثها ، فجاء هذا الاقتضاب المفهوم الفصيح ، ومنه قول الشاعر : [ذو الخرق الطهوي] : [الوافر] :
حسبت بغام راحلتي عناقا |
|
وما هي ويب غيرك بالعناق |
ومنه قول الآخر :
كأنّ غديرهم بجنوب سلي |
|
نعام فاق في بلد قفار |
التقدير صوت عناق وغدير نعام.
وأما معنى قوله تعالى : (عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) فاختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب ، فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : تقرن السماوات والأرضون بعضها إلى بعض كما يبسط الثوب ، فذلك عرض الجنة ولا يعلم طولها إلا الله ، وفي الحديث عن النبي صلىاللهعليهوسلم : أن بين المصراعين من أبواب الجنة مسيرة أربعين سنة ، وسيأتي عليها يوم يزدحم الناس فيها كما تزدحم الإبل إذا وردت خمصا ظماء وفي الحديث عنه صلىاللهعليهوسلم : أن في الجنة شجرة يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام لا يقطعها فهذا كله يقوي قول ابن عباس وهو قول الجمهور ، إن الجنة أكبر من هذه المخلوقات المذكورة وهي ممتدة عن السماء حيث شاء الله تعالى ، وذلك لا ينكر ، فإن في حديث النبي عليهالسلام : ما السماوات السبع والأرضون السبع في الكرسي إلا كدراهم ألقيت في فلاة من الأرض ، وما الكرسي في العرش إلا كحلقة في فلاة من الأرض ، فهذه مخلوقات أعظم بكثير جدا من السماوات والأرض ، وقدرة الله تعالى أعظم من ذلك كله ، وروى يعلى بن أبي مرة قال : لقيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بحمص ، شيخا كبيرا قد فند فقال قدمت على النبي عليهالسلام ، بكتاب هرقل ، فناول الصحيفة رجلا عن يساره فقلت : من صاحبكم الذي يقرأ؟ قالوا : معاوية ، فإذا كتاب هرقل : إنك كتبت إليّ تدعوني إلى (جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) ، فأين النار؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : سبحان الله ، فأين الليل إذا جاء النهار؟ وروى قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال : جاء رجلان من اليهود من نجران إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال أحدهما : تقولون (جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) ، أين تكون النار؟ فقال عمر رضي الله عنه أرأيت النهار إذا جاء أين يكون الليل؟ والليل إذا جاء أين يكون النهار؟ فقال اليهودي : إنه لمثلها في التوراة فقال له صاحبه : لم أخبرته؟ دعه إنه بكل موقن.
قال القاضي أبو محمد : فهذه الآثار كلها هي في طريق واحد ، من أن قدرة الله تتسع لهذا كله ،