وقد تقدم ذكر مثل هذه الآية وأحكام الربا في سورة البقرة ، وقوله (أَضْعافاً) نصب في موضع الحال ، ومعناه : الربا الذي كانت العرب تضعف فيه الدين ، فكان الطالب يقول : أتقضي أم تربي؟ وقوله : (مُضاعَفَةً) إشارة إلى تكرار التضعيف عاما بعد عام ، كما كانوا يصنعون ، فدلت هذه العبارة المؤكدة على شنعة فعلهم وقبحه ، ولذلك ذكرت حال التضعيف خاصة ، وقد حرم الله جميع أنواع الربا ، فهذا هو مفهوم الخطاب إذ المسكوت عنه من الربا في حكم المذكور ، وأيضا فإن الربا يدخل جميع أنواعه التضعيف والزيادة على وجوه مختلفة من العين أو من التأخير ونحوه.
و (النَّارَ) في قوله : (وَاتَّقُوا النَّارَ) هي اسم الجنس ، ويحتمل أن تكون للعهد ، ثم ذكر أنها (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) ، أي إنهم هم المقصود والمراد الأول ، وقد يدخلها سواهم من العصاة ، فشنع أمر النار بذكر الكفر ، وحسن للمؤمن أن يحذرها ويبعد بطاعة الله عنها وهذا كما قال في الجنة : أعدت للمتقين ، أي هم المقصود ، وإن كان يدخلها غيرهم من صبي ومجنون ونحوه ممن لا يكلف ولا يوصف بتقوى ، هذا مذهب أهل العلم في هذه الآية ، وحكى الماوردي وغيره ، عن قوم أنهم ذهبوا إلى أن أكلة الربا إنما توعدهم الله بنار الكفرة ، إذ النار سبع طبقات ، العليا منها وهي جهنم للعصاة ، والخمس للكفار والدرك الأسفل للمنافقين ، قالوا : فأكلة الربا إنما يعذبون يوم القيامة بنار الكفرة لا بنار العصاة ، وبذلك توعدوا ، فالألف واللام على هذا في قوله (وَاتَّقُوا النَّارَ) إنما هي للعهد.
ثم أمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله ، والطاعة هي موافقة الأمر الجاري عند المأمور مع مراد الأمر وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني ، وقال محمد بن إسحاق إن هذه الآية من قوله تعالى : (وَأَطِيعُوا اللهَ) هي ابتداء المعاتبة في أمر أحد ، وانهزام من فر وزوال الرماة عن مراكزهم.
قوله تعالى :
(وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (١٣٤)
قرأ نافع وابن عامر : «سارعوا» بغير واو ، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة وأهل الشام ، وقرأ باقي السبعة بالواو ، قال أبو علي : كلا الأمرين شائع مستقيم ، فمن قرأ بالواو فلأنه عطف الجملة على الجملة ، ومن ترك الواو فلأن الجملة الثانية ملتبسة بالأولى مستغنية بذلك عن العطف بالواو ، وأمال الكسائي الألف من قوله (سارِعُوا) ومن قوله (يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) [المؤمنون : ٦١] و (نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) [المؤمنون : ٥٦] في كل ذلك ، قال أبو علي : والإمالة هنا حسنة لوقوع الراء المكسورة بعدها ، والمسارعة المبادرة وهي مفاعلة ، إذ الناس كأن كل واحد يسرع ليصل قبل غيره ، فبينهم في ذلك مفاعلة ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) [المائدة : ٤٨] وقوله (إِلى مَغْفِرَةٍ) معناه : سارعوا