[آل عمران : ٧٥] و (يَتْلُونَ) معناه : يسردون ، و (آياتِ اللهِ) في هذه الآية هي كتبه ، و «الآناء» : الساعات واحدها «إني» بكسر الهمزة وسكون النون ، ويقال فيه «أني» بفتح الهمزة ، ويقال «إنى» بكسر الهمزة وفتح النون والقصر ، ويقال فيه «أنى» بفتح الهمزة ويقال «إنو» بكسر الهمزة وسكون النون وبواو مضمومة ومنه قول الهذيلي : [البسيط]
حلو ومرّ كعطف القدح مرّته |
|
في كلّ إني قضاه الليل ينتعل |
وحكم هذه الآية لا يتفق في شخص بأن يكون كل واحد يصلي جميع ساعات الليل وإنما يقوم هذا الحكم من جماعة الأمة ، إذ بعض الناس يقوم أول الليل ، وبعضهم آخره ، وبعضهم بعد هجعة ثم يعود إلى نومه ، فيأتي من مجموع ذلك في المدن والجماعات عبارة (آناءَ اللَّيْلِ) بالقيام ، وهكذا كان صدر هذه الأمة ، وعرف الناس القيام في أول الثلث الآخر من الليل أو قبله بشيء ، وحينئذ كان يقوم الأكثر ، والقيام طول الليل قليل وقد كان في الصالحين من يلتزمه ، وقد ذكر الله تعالى القصد من ذلك في سورة المزمل ، وقيام الليل لقراءة العلم المبتغى به وجه الله داخل في هذه الآية ، وهو أفضل من التنفل لمن يرجى انتفاع المسلمين بعلمه ، وأما عبارة المفسرين في (آناءَ اللَّيْلِ) ، فقال الربيع وقتادة وغيرهما : (آناءَ اللَّيْلِ) ساعات الليل ، وقال عبد الله بن كثير : سمعنا العرب تقول (آناءَ اللَّيْلِ) ساعات الليل ، وقال السدي : (آناءَ اللَّيْلِ) جوف الليل.
قال القاضي أبو محمد : وهذا قلق ، أما ان جوف الليل جزء من الآناء ، وقال ابن مسعود : نزلت هذه الآية بسبب أن النبي صلىاللهعليهوسلم احتبس عنا ليلة عن صلاة العشاء وكان عند بعض نسائه فلم يأت حتى مضى ليل ، فجاء ومنا المصلي ومنا المضطجع ، فقال : أبشروا فإنه ليس أحد من أهل الكتاب يصلي هذه الصلاة ، فأنزل الله تعالى : (لَيْسُوا سَواءً) الآية ، فالمراد بقوله : (يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ) صلاة العشاء ، وروى سفيان الثوري عن منصور أنه قال : بلغني أن هذه الآية نزلت في المصلين بين العشاءين وقوله تعالى : (وَهُمْ يَسْجُدُونَ) ذهب بعض الناس إلى أن السجود هنا عبارة عن الصلاة ، سماها بجزء شريف منها كما تسمى في كثير من المواضع ركوعا ، فهي على هذا جملة في موضع الحال ، كأنه قال : يتلون آيات الله آناء الليل مصلين ، وذهب الطبري وغيره إلى أنها جملة مقطوعة من الكلام الأول ، أخبر عنهم أنهم أيضا أهل سجود.
قال القاضي أبو محمد : ويحسن هذا من جهة أن التلاوة آناء الليل قد يعتقد السامع أن ذلك في غير الصلاة ، وأيضا فالقيام في قراءة العلم يخرج من الآية على التأويل الأول ، ويثبت فيها على هذا الثاني ف (هُمْ يَسْجُدُونَ) على هذا نعت عدد بواو العطف ، كما تقول : جاءني زيد الكريم والعاقل.
و (يُؤْمِنُونَ) معناه : يصدقون ، وفي الإيمان باليوم الآخر إيمان بالأنبياء ، لأنه من جائزات العقل التي أثبتها السمع من الأنبياء ، وقوله تعالى : (وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) وصف بأنهم متى دعوا إلى خير من نصر مظلوم وإغاثة مكروب وجبر مهيض وعبادة الله أجابوا ، ومنه فعل مالك رضي الله عنه في ركعتي المسجد ، وقال : دعوتني إلى خير فأجبت إليه ، ومما يدخل في ضمن قوله تعالى : (وَيُسارِعُونَ فِي