تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١٠١)
الخطاب بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) عام في المؤمنين ، والإشارة بذلك ـ وقت نزوله ـ إلى الأوس والخزرج بسبب نائرة شاس بن قيس ، و «الفريق» ـ الجماعة من الناس والمراد بها هنا الأحبار والرؤوس ، و (يَرُدُّوكُمْ) معناه : بالإضلال والتشكيك والمخادعة وإظهار الغش في معرض النصح ، ثم وقف تعالى المؤمنين على هذا الأمر المستبعد المستشنع الذي يريده بهم اليهود ، فقال (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ) بهذه الأحوال الموصوفة؟ و (كَيْفَ) في موضع نصب على الحال ، كما هي في قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) [البقرة : ٢٨] والمعنى أجاحدين تكفرون؟ أجاهلين أمستخفين أمرتدين؟ ونحو هذا من التقدير والواو في قوله : (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ) عاطفة جملة كلام على جملة كلام ، ولا يجوز أن تكون (كَيْفَ) في هذه الآية كما هي في قولك ، كيف تفعل كذا ، وأنت تسأل عن شيء ثابت الوقوع متحصلة ، لأنه كان يلزم أن يكون كفر المؤمنين مقررا مثبت الوقوع ، وتأمل معنى (كَيْفَ) إذا وليها فعل ، ومعناها إذا وليها اسم ، وقرأ جمهور الناس «تتلى» بالتاء من فوق ، وقرأ الحسن : «يتلى» بالياء إذا الآيات هي القرآن ، وقوله تعالى : (وَفِيكُمْ) هي ظرفية الحضور والمشاهدة لشخصه عليهالسلام ، وهو في أمته إلى يوم القيامة ، بأقواله وآثاره ، و (يَعْتَصِمْ) معناه : يتمسك ويستذري ، وعصم الشيء إذا منع وحمي ، ومنه قوله (يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ) [هود : ٤٣] والعصم الأسباب التي يمتّ بها ، ويعتصم من الخيبة في الغرض المطلوب ، وقال الأعشى : [المتقارب]
إلى المرء قيس أطيل السّرى |
|
وآخذ من كلّ حيّ عصم |
وتصرف اللفظة كثير جدا ، وباقي الآية بيّن ، والله المستعان.
قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)
الخطاب بهذه الآية يعم جميع المؤمنين ، والمقصود به وقت نزولها الأوس والخزرج الذين شجر بينهم بسعاية شاس بن قيس ما شجر ، و «تقاة» مصدر وزنه فعلة ، أصله تقية ، وقد تقدم قوله : إلا أن تتقوا منهم تقاة ، ويصح أن تكون التقاة في هذه الآية جمع فاعل وإن كان لم يتصرف منه فيكون كرماة ورام ، أو يكون جمع تقي إذ فعيل وفاعل بمنزلة ، والمعنى على هذا : اتقوا الله كما يحق أن يكون متقوه المختصون به ، ولذلك أضيفوا إلى ضمير الله تعالى ، واختلف العلماء في قوله : (حَقَّ تُقاتِهِ) فقالت فرقة : نزلت الآية على عموم لفظها ، وألزمت الأمة أن تتقي الله غاية التقوى حتى لا يقع إخلال في شيء من الأشياء ، ثم إن الله نسخ ذلك عن الأمة بقوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: ١٦] وبقوله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ