أَجْمَعِينَ (٨٧) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٨٩)
قال ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت هذه الآيات من قوله : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ) نزلت في الحارث بن سويد الأنصاري ، كان مسلما ثم ارتد ولحق بالشرك ، ثم ندم فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم هل لي من توبة؟
قال : فنزلت (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ) الآيات ، إلى قوله (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) فأرسل إليه قومه فأسلم ، وقال مجاهد : حمل الآيات إليه رجل من قومه فقرأها عليه ، فقال له الحارث : إنك والله لما علمت لصدوق ، وإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأصدق منك ، وإن الله لأصدق الثلاثة ، قال : فرجع الحارث فأسلم وحسن إسلامه ، وقال السدي : نسخ الله تعالى ، بقوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) قوله (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ).
قال الفقيه أبو محمد : وفي هذه العبارة تجوز كثير ، وليس هذا بموضع نسخ ، وقال عكرمة : نزلت هذه الآية في أبي عامر الراهب والحارث بن سويد بن الصامت ووحوح بن الأسلت في اثني عشر رجلا ، رجعوا عن الإسلام ولحقوا بقريش ثم كتبوا إلى أهليهم هل لنا من توبة؟ فنزلت هذه الآيات وقال ابن عباس أيضا والحسن بن أبي الحسن : إن هذه الآيات نزلت في اليهود والنصارى ، شهدوا بنعت الرسول صلىاللهعليهوسلم وآمنوا به ، فلما جاء من العرب حسدوه ، وكفروا به ورجح الطبري هذا القول ، وقال النقاش : نزلت هذه الآيات في طعيمة بن أبيرق.
وقال الفقيه القاضي : وكل من ذكر فألفاظ الآية تعممه.
وقوله تعالى : (كَيْفَ) سؤال عن حال لكنه سؤال توقيف على جهة الاستبعاد للأمر كما قالعليهالسلام : كيف تفلح أمة أدمت وجه نبيها؟ فالمعنى أنهم لشدة هذه الجرائم يبعد أن يهديهم الله تعالى ، وقوله تعالى : (وَشَهِدُوا) عطف على (كَفَرُوا) بحكم اللفظ ، والمعنى مفهوم أن الشهادة قبل الكفر ، والواو لا ترتب ، وقال قوم : معنى قوله (بَعْدَ إِيمانِهِمْ) بعد أن آمنوا ، فقوله (وَشَهِدُوا) عطف على هذا التقدير ، وقوله تعالى (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) عموم معناه الخصوص فيمن حتم كفره وموافاته عليه ، ويحتمل أن يريد الإخبار عن أن الظالم في ظلمه ليس على هدى من الله ، فتجيء الآية عامة تامة العموم ، و «اللعنة» الإبعاد وعدم الرحمة والعطف ، وذلك مع قرينة الكفر زعيم بتخليدهم في النار ، ولعنة الملائكة قول ، و (النَّاسِ) : بنو آدم ، ويظهر من كلام أبي علي الفارسي في بعض تعاليقه ، أن الجن يدخلون في لفظة الناس ، وأنشد على ذلك : [الوافر]
فقلت إلى الطّعام فقال منهم |
|
أناس يحسد الأنس الطّعاما |
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : والذي يظهر ، أن لفظة (النَّاسِ) إذا جاءت مطلقة ، فإنما هي في كلام العرب بنو آدم لا غير ، فإذا جاءت مقيدة بالجن ، فذلك على طريقة الاستعارة ، إذ هي