أبي الحسن : معنى الآية : أنه أسلم قوم طوعا ، وأسلم قوم خوف السيف ، وقال مطر الوراق : أسلمت الملائكة طوعا ، وكذلك الأنصار وبنو سليم وعبد القيس ، وأسلم سائر الناس كرها حذر القتال والسيف.
قال الفقيه الإمام : وهذا قول الإسلام فيه هو الذي في ضمنه الإيمان ، والآية ظاهرها العموم ، ومعناها الخصوص ، إذ من أهل الأرض من لم يسلم طوعا ولا كرها على هذا الحد ، وقال قتادة : الإسلام كرها هو إسلام الكافر عند الموت والمعاينة حيث لا ينفعه.
قال الفقيه الإمام : ويلزم على هذا أن كل كافر يفعل ذلك ، وهذا غير موجود إلا في أفراد ، والمعنى في هذه الآية ، يفهم كل ناظر أن هذا القسم الذي هو الكره إنما هو في أهل الأرض خاصة ، والتوقيف بقوله (أَفَغَيْرَ) إنما هو لمعاصري محمد صلىاللهعليهوسلم من الأحبار والكفار ، وقرأ أبو بكر عن عاصم ، «أصري» ، بضم الألف وهي لغة.
قوله تعالى :
(قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ(٨٤) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٨٥)
المعنى : قل يا محمد أنت وأمتك : (آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا) وهو القرآن وأمر محمدصلىاللهعليهوسلم والإنزال على نبي الأمة إنزال عليها ، وقدم إسماعيل لسنة ، وسائر الآية بين ، ثم حكم تعالى في قوله (وَمَنْ يَبْتَغِ) الآية بأنه لا يقبل من آدمي دينا غير دين الإسلام ، وهو الذي وافق في معتقداته دين كل من سمي من الأنبياء ، وهو الحنيفية السمحة ، وقال عكرمة : لما نزلت قال أهل الملل للنبيصلىاللهعليهوسلم : قد أسلمنا قبلك ونحن المسلمون ، فقال الله له : فحجهم يا محمد وأنزل عليه (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) [آل عمران : ٩٧] فحج المسلمون وقعد الكفار ، وأسند الطبري عن ابن عباس أنه قال : نزلت (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ، إلى قوله (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة : ٦٢] فأنزل الله بعدها ، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) الآية.
قال الفقيه الإمام : فهذه إشارة إلى نسخ ، وقوله (فِي الْآخِرَةِ) متعلق بمقدر ، تقديره خاسر في الآخرة لأن الألف واللام في (الْخاسِرِينَ) في معنى الموصول ، وقال بعض المفسرين : إن قوله (مَنْ يَبْتَغِ) الآية ، نزلت في الحارث بن سويد ، ولم يذكر ذلك الطبري.
قوله تعالى :
(كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٨٦) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ