الخبر الذي هو (لَتُؤْمِنُنَ) فهو قوله تعالى : (بِهِ) فالهاء من (بِهِ) عائدة على «ما» ولا يجوز أن تعود على (رَسُولٌ) فيبقى الموصول حينئذ غير عائد عليه من خبره ذكر ، والوجه الثاني الذي تتخرج عليه قراءة القراء «لما» بفتح اللام ، هو أن تكون «ما» للجزاء شرطا ، فتكون في موضع نصب بالفعل الذي بعدها وهو مجزوم و (جاءَكُمْ) معطوف في موضع جزم ، واللام الداخلة على «ما» ليست المتلقية للقسم ، ولكنها الموطئة المؤذنة بمجيء لام القسم ، فهي بمنزلة اللام في قوله تعالى : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) [الأحزاب : ٦٠] لأنها مؤذنة بمجيء المتلقية للقسم في قوله ، لنغرينك بهم وكذلك هذه مؤذنة بمجيء المتلقية للقسم في قوله : (لَتُؤْمِنُنَ) وهذه اللام الداخلة على «أن» لا يعتمد القسم عليها ، فلذلك جاز حذفها تارة وإثباتها تارة ، كما قال تعالى: (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [المائدة : ٧٣]. قال الزجاج : لأن قولك ، والله لئن جنتني لأكرمنك ، إنما حلف على فعلك ، لأن الشرط معلق به ، فلذلك دخلت اللام على الشرط ، وما في هذا الوجه من كونها جزاء لا تحتاج إلى عائد لأنها مفعولة والمفعول لا يحتاج إلى ذكر عائد.
والضمير في قوله تعالى : (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) عائد على (رَسُولٌ) ، وكذلك هو على قراءة من كسر اللام ، وأما الضمير في قوله (وَلَتَنْصُرُنَّهُ) فلا يحتمل بوجه إلا العود على رسول ، قال أبو علي في الإغفال : وجزاء الشرط محذوف بدلالة قوله (لَتُؤْمِنُنَ) عليه ، قال سيبويه : سألته ، يعني الخليل عن قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ) فقال : «ما» هنا بمنزلة الذي ودخلتها اللام كما دخلت على إن ، حين قلت : لئن فعلت لأفعلن ، ثم استمر يفسر وجه الجزاء قال أبو علي : أراد الخليل بقوله : هي بمنزلة الذي ، أنها اسم كما أن الذي اسم ولم يرد أنها موصولة كالذي ، وإنما فرّ من أن تكون «ما» حرفا كما جاءت حرفا في قوله تعالى : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) [هود : ١١١] وفي قوله (وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) [الزخرف : ٣٥] ، والله المستعان ، وحكى المهدوي ومكي عن سيبويه والخليل : أن خبر الابتداء فيمن جعل «ما» ابتداء على قراءة من فتح اللام هو في قوله : (مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) ولا أعرف من أين حكياه لأنه مفسد لمعنى الآية لا يليق بسيبويه ، والخليل ، وإنما الخبر في قوله ، (لَتُؤْمِنُنَ) كما قال أبو علي الفارسي ومن جرى مجراه كالزجاج وغيره ، وقرأ الحسن : «لمّا آتيناكم» بفتح اللام وشدها قال أبو إسحاق : أي لما آتاكم الكتاب والحكمة أخذ الميثاق ، وتكون اللام تؤول إلى الجزاء ، كما تقول لما جئتني أكرمتك.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : ويظهر أن «لما» هذه هي الظرفية أي لما كنتم بهذه الحال ، رؤساء الناس وأماثلهم ، أخذ عليكم الميثاق ، إذ على القادة يؤخذ ، فيجيء هذا المعنى كالمعنى في قراءة حمزة ، وذهب ابن جني في «لما» في هذه الآية إلى أن أصلها «لمن ما» ، وزيدت «من» في الواجب على مذهب الأخفش ، ثم أدغمت ، كما يجب في مثل هذا ، فجاء لهما ، فثقل اجتماع ثلاث ميمات فحذفت الميم الأولى فبقي «لما» ، وتتفسر هذه القراءة على هذا التوجيه المحلق تفسر «لما» بفتح الميم مخففة ، وقد تقدم ، وقرأ نافع وحده ، «آتيناكم» بالنون ، وقرأ الباقون ، «آتيناكم» بالتاء ، و (رَسُولٌ) في هذه الآية اسم جنس ، وقال كثير من المفسرين : الإشارة بذلك إلى محمد صلىاللهعليهوسلم ، وفي مصحف ابن مسعود : «مصدقا» بالنصب على الحال.