المفسرون في العبارة عن مقتضى ألفاظ هذه الآية ، فقال مجاهد والربيع : إنما أخذ ميثاق أهل الكتاب ، لا ميثاق النبيين ، وفي مصحف أبي بن كعب وابن مسعود : «وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب» ، قال مجاهد : هكذا هو القرآن ، وإثبات «النبيين» خطأ من الكتاب.
قال الفقيه الإمام : وهذا لفظ مردود بإجماع الصحابة على مصحف عثمان رضي الله عنه ، وقال ابن عباس رضي الله عنه : إنما (أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ) على قومهم ، فهو أخذ لميثاق الجميع ، وقال طاوس : أخذ الله ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضا ، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ما بعث الله نبيا ، آدم فمن بعده ، إلا أخذ عليه العهد في محمد لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ، وأمره بأخذه على قومه ، ثم تلا هذه الآية ، وقاله السدي : وروي عن طاوس أنه قال : صدر الآية أخذ الميثاق على النبيين وقوله : (ثُمَّ جاءَكُمْ) مخاطبة لأهل الكتاب بأخذ الميثاق عليهم.
قال الفقيه الإمام أبو محمد : حكاه الطبري وهو قول يفسده إعراب الآية ، وهذه الأقوال كلها ترجع إلى ما قاله علي بن أبي طالب وابن عباس ، لأن الأخذ على الأنبياء أخذ على الأمم.
وقرأ حمزة وغيره سوى السبعة : «لما» بكسر اللام ، وهي لام الجر ، والتقدير لأجل ما آتيناكم ، إذ أنتم القادة والرؤوس ، ومن كان بهذه الحال فهو الذي يؤخذ ميثاقه ، و «ما» في هذه القراءة بمعنى الذي الموصولة ، والعائد إليها من الصلة تقديره آتيناكموه ، و «من» لبيان الجنس ، وقوله ، (ثُمَّ جاءَكُمْ) الآية ، جملة معطوفة على الصلة ، ولا بد في هذه الجملة من ضمير يعود على الموصول ، فتقديره عند سيبويه : رسول به مصدق لما معكم ، وحذف تخفيفا كما حذف الذي في الصلة بعينها لطول الكلام ، كما قال تعالى : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) [الفرقان : ٤١] والحذف من الصلات كثير جميل ، وأما أبو الحسن الأخفش ، فقال قوله تعالى : (لِما مَعَكُمْ). هو العائد عنده على الموصول ، إذ هو في المعنى بمنزلة الضمير الذي قدر سيبويه ، وكذلك قال الأخفش في قوله تعالى : (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف : ٩٠] لأن المعنى لا يضيع أجرهم ، إذ المحسنون هم من يتقي ويصبر ، وكذلك قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) [الكهف : ٣٠] وكذلك ما ضارع هذه الآيات ، وسيبويه رحمهالله لا يرى أن يضع المظهر موقع المضمر ، كما يراه أبو الحسن ، واللام في (لَتُؤْمِنُنَ) ، هي اللام المتعلقة للقسم الذي تضمنه أخذ الميثاق وفصل بين القسم والمقسم عليه بالجار والمجرور وذلك جائز.
وقرأ سائر السبعة : «لما» بفتح اللام ، وذلك يتخرج على وجهين ، أحدهما أن تكون «ما» موصولة في موضع رفع بالابتداء ، واللام لام الابتداء ، وهي متلقية لما أجري مجرى القسم من قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ) وخبر الابتداء قوله (لَتُؤْمِنُنَ) ، و (لَتُؤْمِنُنَ) متعلق بقسم محذوف ، والمعنى والله لتؤمنن ، هكذا قال أبو علي الفارسي ، وفيه من جهة المعنى نظر ، إذا تأملت على أي شيء وقع التحليف لكنه متوجه بأن الحلف يقع مرتين تأكيدا فتأمل ، والعائد الذي في الصلة ، والعائد الذي في الجملة المعطوفة على الصلة هنا في هذه القراءة هما على حد ما ذكرنا هما في قراءة حمزة ، أما أن هذا التأويل يقتضي عائدا من