بذلك قوله (بِإِذْنِ اللهِ) وحقيقة الخلق في الأجرام ، ويستعمل في المعاني ، ومنه قوله تعالى : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) [العنكبوت : ١٧] ومنه قول الشاعر : [مجزوء الكامل مرفّل]
من كان يخلق ما يقو |
|
ل فحيلتي فيه قليله |
وجمهور الناس قرأ «كهيئة» على وزن فعلة بفتح الفاء وهو مصدر من قولك ، هاء الشيء يهاء هيئا وهيئة ، إذا ترتب واستقر على حال ما ، وهو الذي تعديه فتقول : هيأت ، وقرأ الزهري «كهيّئة الطير» ، بكسر الهاء وياء مفتوحة مشددة ، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع ، «كهيئة الطائر فأنفخ فيه فيكون طائرا» على الإفراد في الموضعين ، فالأول اسم الجنس والثاني مفرد ، أي يكون طائرا من الطيور ، وقرأ نافع وحده ، «كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طائرا» بالإفراد في الأخير ، وهكذا قرأ في المائدة الباقون «كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا» بالجمع فيهما ، وكذلك في سورة المائدة ، ومعاني هذه القراءات بينة ، و (الطَّيْرِ) اسم جمع وليس من أبنية الجموع ، وإنما البناء في جمع طائر أطيار ، وجمع الجمع طيور ، وحكاه أبو علي عن أبي الحسن ، وقوله (فَأَنْفُخُ فِيهِ) ذكر الضمير هنا لأنه يحتمل أن يعود على الطين المهيأ ، ويحتمل أن يريد فانفخ في المذكور ، وأنث الضمير في سورة المائدة في قوله ، (فَتَنْفُخُ فِيها) [المائدة : ١١٠] لأنه يحتمل أن يعود على الهيئة أو على تأنيث لفظ الجماعة في قوله (الطَّيْرِ) وكون عيسى عليهالسلام خالقا بيده ونافخا بفيه إنما هو ليبين تلبسه بالمعجزة ، وأنها جاءت من قبله ، وأما الإيجاد من العدم وخلق الحياة في ذلك الطين فمن الله تعالى وحده لا شريك له.
وقوله (بِإِذْنِ اللهِ) ، معناه بعلم منه تعالى أني أفعل ذلك وتمكين منه لي ، وحقيقة الإذن في الشيء هي العلم بأنه يفعل والتمكين من ذلك ، فإن اقترن بذلك قول فذلك أمكن في الإذن وأبلغ ، ويخرج من حد الإذن إلى حد الأمر ولكن تجده أبدا في قسم الإباحة ، وتأمل قوله تعالى : (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ) [البقرة : ٢٥١] ، وقول النبي عليهالسلام ، وإذنها صماتها ، وروي في قصص هذه الآية ، أن عيسى عليهالسلام كان يقول لبني إسرائيل : أي الطير أشد خلقة وأصعب أن يحكى؟ فيقولون : الخفاش ، لأنه طائر لا ريش له ، فكان يصنع من الطين خفافيش ثم ينفخ فيها فتطير ، وكل ذلك بحضرة الناس ومعاينتهم ، فكانوا يقولون : هذا ساحر.
قوله تعالى :
(وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٤٩)
(أُبْرِئُ) ، معناه أزيل المرض يقال برأ المريض وأبرأه غيره ، ويقال : برىء المريض أيضا كما يقال في الذنب والدين ، واختلف المفسرون في (الْأَكْمَهَ) فقال مجاهد : (الْأَكْمَهَ) هو الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل ، وقال ابن عباس والحسن والسدي : (الْأَكْمَهَ) الأعمى على الإطلاق ، وقال عكرمة : (الْأَكْمَهَ) الأعمش ، وحكى النقاش قولا : أن (الْأَكْمَهَ) هو الأبكم الذي لا يفهم ولا يفهم ، الميت الفؤاد ، وقال ابن