وأما قول النابغة : [الوافر] :
بسمر كالقداح مسوّمات |
|
عليها معشر أشباه جنّ |
فيحتمل أن يريد المطهمة الحسان ، ويحتمل أن يريد المعلمة بالشيات ويحتمل أن يريد المعدة ، وقد فسر الناس قوله تعالى : (مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ) [هود : ٨٣] بمعنى معدة ، وقال ابن زيد في قوله تعالى: (وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ) معناه : المعدة للجهاد.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق : قوله : للجهاد ليس من تفسير اللفظة ، (وَالْأَنْعامِ) الأصناف الأربعة : الإبل والبقر والضأن والمعز (وَالْحَرْثِ) هنا اسم لكل ما يحرث ، وهو مصدر سمي به ، تقول : حرث الرجل إذا أثار الأرض لمعنى الفلاحة فيقع اسم الحرث على زرع الحبوب وعلى الجنات وغير ذلك من أنواع الفلاحة. وقوله تعالى : (إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ) [الأنبياء : ٧٨] قال جمهور المفسرين ، كان كرما ، والمتاع ما يستمتع به وينتفع مدة ما منحصرة ، و (الْمَآبِ) المرجع ، تقول : آب الرجل يؤوب ، ومنه قول الشاعر : [الوافر]
رضيت من الغنيمة بالإياب
وقول الآخر [بشر بن أبي خازم] : [الوافر]
إذا ما القارظ العنزيّ آبا
وقول عبيد : [مخلع البسيط]
وغائب الموت لا يؤوب
وأصل مآب مأوب ، نقلت حركة الواو إلى الهمزة وأبدل من الواو ألف ، مثل مقال ، فمعنى الآية تقليل أمر الدنيا وتحقيرها ، والترغيب في حسن المرجع إلى الله تعالى في الآخرة ، وفي قوله : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ) تحسر ما على نحو ما في قول النبي عليهالسلام : تتزوج المرأة لأربع ـ الحديث ـ وقوله تعالى : (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ) [آل عمران : ١٥] بمثابة قول النبي عليهالسلام : «فاظفر بذات الدين».
قوله تعالى :
(قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (١٥)
في هذه الآية تسلية عن الدنيا وتقوية لنفوس تاركيها ، وذكر تعالى حال الدنيا وكيف استقر تزيين شهواتها ، ثم جاء الإنباء بخير من ذلك ، هازا للنفوس وجامعا لها لتسمع هذا النبأ المستغرب النافع لمن عقل ، وأنبئ : معناه أخبر ، وذهبت فرقة من الناس إلى أن الكلام الذي أمر النبي عليهالسلام بقوله تم في قوله تعالى : (عِنْدَ رَبِّهِمْ) و (جَنَّاتٌ) على هذا مرتفع بالابتداء المضمر تقديره : ذلك جنات ، وذهب آخرون إلى أن الكلام تم في قوله : (مِنْ ذلِكُمْ) وأن قوله (لِلَّذِينَ) خبر متقدم ، و (جَنَّاتٌ) رفع بالابتداء ، وعلى التأويل الأول يجوز في (جَنَّاتٌ) الخفض بدلا من خير ، ولا يجوز ذلك على التأويل الثاني ، والتأويلان