باب ما قيل في الكلام في تفسير القرآن ،
والجرأة عليه ، ومراتب المفسرين
روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : «ما كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يفسّر من كتاب الله إلّا آيا بعدد علّمه إياهنّ جبريل».
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : ومعنى هذا الحديث : في مغيبات القرآن ، وتفسير مجمله ، ونحو هذا مما لا سبيل إليه إلا بتوقيف من الله تعالى ، ومن جملة مغيباته ما لم يعلم الله به كوقت قيام الساعة ونحوه ، ومنها ما يستقرأ من ألفاظه كعدد النفخات في الصور ، وكرتبة خلق السماوات والأرض. ويروى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ».
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى في كتاب الله فيتسور عليه برأيه ، دون نظر فيما قال العلماء ، أو اقتضته قوانين العلوم كالنحو ، والأصول ، وليس يدخل في هذا الحديث أن يفسر اللغويون لغته ، والنحاة نحوه ، والفقهاء معانيه ، ويقول كل واحد باجتهاده المبني على قوانين علم ونظر ، فإن القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرد رأيه. وكان جلة من السلف كسعيد بن المسيب ، وعامر الشعبي ، وغيرهما ، يعظمون تفسير القرآن ، ويتوقفون عنه تورعا واحتياطا لأنفسهم ، مع إدراكهم ، وتقدمهم ، وكان جلة من السلف كثير عددهم يفسرونه وهم أبقوا على المسلمين في ذلك رضي الله عنهم.
فأما صدر المفسرين والمؤيد فيهم فعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ويتلوه عبد الله بن العباس رضي الله عنهما ، وهو تجرد للأمر وكمله وتتبعه ، وتبعه العلماء عليه ، كمجاهد ، وسعيد بن جبير ، وغيرهما ، والمحفوظ عنه في ذلك أكثر من المحفوظ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقال ابن عباس : «ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب».
وكان علي بن أبي طالب يثني على تفسير ابن عباس ويحث على الأخذ عنه.
وكان عبد الله بن مسعود يقول : «نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس» ، وهو الذي يقول فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اللهم فقهه في الدين» وحسبك بهذه الدعوة.
وقال عنه علي بن أبي طالب : «ابن عباس كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق» ، ويتلوه عبد الله بن مسعود ، وأبيّ بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وكل ما أخذ عن الصحابة فحسن متقدم.