بسم الله الرّحمن الرّحيم
والحمد لله الملك العظيم
وصلى الله على سيدنا محمد الكريم وعلى آله
قال الشيخ الإمام ، الفقيه الأجل ، الحافظ الأكمل ، القاضي الأعدل ، أبو محمد عبد الحق ، ابن الفقيه الإمام الحافظ أبي بكر غالب ، بن عبد الرحمن ، بن غالب ، بن عبد الرؤوف ، بن تمام ، بن عبد الله ، بن تمام ، بن عطية ، بن خالد ، بن عطية ، وهو الداخل إلى الأندلس ، ابن خالد ، بن خفاف ، بن أسلم ، بن مكرم المحاربي من ولد زيد ، بن محارب ، بن خصفة ، بن قيس عيلان من أهل غرناطة ، رحمهالله ونفعه والمسلمين بما دون.
الحمد لله الذي برأ النسم ، وأفاض النعم ، ومنح القسم ، وسنى من توحيده وعبادته العصم ، ذي العزة القاهرة ، والقدرة الباهرة ، والآلاء المتظاهرة ، الذي أوجدنا بعد العدم ، وجعلنا الخيار الوسط من الأمم ، وخولنا عوارف لا تحصى ، وهدانا شرعة رمت بنا من رضوانه إلى الغرض الأقصى ، أنزل إلينا القرآن العزيز ، وعد فيه وبشر وأوعد وحذر ، ونهى وأمر ، وأكمل فيه الدين ، وجعله الوسيلة الناجحة والحبل المتين ، ويسره للذكر ، وخلده غابر الدهر ، عصمة للمعتصمين ، ونورا صادعا في مشكلات المختصمين ، وحجة قائمة على العالم ، ودعوة شاملة لفرق بني آدم ، كلامه الذي أعجز الفصحاء ، وأخرس البلغاء ، وشرف العلماء ، له الحمد دائبا ، والشكر واصبا ، لا إله إلا هو رب العرش العظيم ، وأفضل الصلاة والتسليم ، على محمد رسوله الكريم ، صفوته من العباد ، وشفيع الخلائق في المعاد ، صاحب المقام المحمود ، والحوض المورود ، الناهض بأعباء الرسالة والتبليغ الأعصم ، والمخصوص بشرف السعاية في الصلاح الأعظم ، صلى الله عليه وعلى آله صلاة مستمرة الدوام ، جديدة على مر الليالي والأيام.
وبعد ، أرشدني الله وإياك ، فإني لما رأيت العلوم فنونا ، وحديث المعارف شجونا ، وسلكت فإذا هي أودية ، وفي كل للسلف مقامات حسان وأندية ، رأيت أن الوجه لمن تشزن للتحصيل ، وعزم على الوصول ، أن يأخذ من كل علم طرفا خيارا ، ولن يذوق النوم مع ذلك إلا غرارا ، ولن يرتقي هذا النجد ، ويبلغ هذا المجد ، حتى ينضي مطايا الاجتهاد ، ويصل التأويب بالإسئاد ، ويطعم الصبر ويكتحل بالسهاد ، فجريت في هذا المضمار صدر العمر طلقا ، وأدمنت حتى تفسخت أينا وتصببت عرقا ، إلى أن انتهج بفضل الله عملي ، وحزت من ذلك ما قسم لي ، ثم رأيت أن من الواجب على من احتبى ، وتخير من العلوم واجتبى ، أن يعتمد على علم من علوم الشرع ، يستنفد فيه غاية الوسع ، يجوب آفاقه ، ويتتبع أعماقه ، ويضبط أصوله ، ويحكم فصوله ، ويلخص ما هو منه ، أو يؤول إليه ، ويعنى بدفع الاعتراضات عليه ، حتى يكون لأهل ذلك العلم