بما فعلن النكاح لمن أحببن إذا كان معروفا غير منكر.
قال القاضي أبو محمد : ووجوه المنكر في هذا كثيرة ، وقال بعض المفسرين : (بِالْمَعْرُوفِ) معناه بالإشهاد ، وقوله تعالى : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) وعيد يتضمن التحذير. و (خَبِيرٌ) اسم فاعل من خبر إذا تقصى علم الشيء.
قوله عزوجل :
(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً)
المخاطبة بهذه الآية لجميع الناس ، والمباشر لحكمها هو الرجل الذي في نفسه تزويج معتدة ، والتعريض هو الكلام الذي لا تصريح فيه كأنه يعرض لفكر المتكلم به ، وأجمعت الأمة على أن الكلام مع المعتدة بما هو نص في تزويجها وتنبيه عليه لا يجوز ، وكذلك أجمعت على أن الكلام معها بما هو رفث وذكر جماع أو تحريض عليه لا يجوز. وجوز ما عدا ذلك ، ومن أعظمه قربا إلى التصريح قول النبي صلىاللهعليهوسلم لفاطمة بنت قيس : «كوني عند أم شريك ولا تسبقيني بنفسك». ومن المجوز قول الرجل : إنك لإلى خير ، وإنك لمرغوب فيك ، وإني لأرجو أن أتزوجك ، وإن يقدر أمر يكن ، هذا هو تمثيل مالك وابن شهاب وكثير من أهل العلم في هذا ، وجائز أن يمدح نفسه ويذكر مآثره على جهة التعريض بالزواج ، وقد فعله أبو جعفر محمد بن علي بن حسين ، واحتج بأن النبي صلىاللهعليهوسلم فعله مع أم سلمة ، والهدية إلى المعتدة جائزة ، وهي من التعريض ، قاله سحنون وكثير من العلماء.
قال القاضي أبو محمد : وقد كره مجاهد أن يقول لا تسبقيني بنفسك ، ورآه من المواعدة سرا ، وهذا عندي على أن يتأول قول النبي صلىاللهعليهوسلم لفاطمة بنت قيس إنه على جهة الرأي لها فيمن يتزوجها لا أنه أرادها لنفسه ، وإلا فهو خلاف لقوله صلىاللهعليهوسلم ، والخطبة بكسر الخاء فعل الخاطب من كلام وقصد واستلطاف بفعل أو قول ، يقال خطبها يخطبها خطبا وخطبة ورجل خطّاب كثير التصرف في الخطبة ، ومنه قول الشاعر : [الرجز]
برح بالعينين خطّاب الكثب |
|
يقول إني خاطب وقد كذب |
وإنما يخطب عسا من حلب
والخطبة «فعلة» كجلسة «وقعدة» ، والخطبة بضم الخاء هي الكلام الذي يقال في النكاح وغيره ، (أَوْ أَكْنَنْتُمْ) معناه سترتم وأخفيتم ، تقول العرب : كننت الشيء من الأجرام ، إذا سترته في بيت أو ثوب أو أرض ونحوه ، وأكننت الأمر في نفسي ، ولم يسمع من العرب كننته في نفسي ، وتقول أكن البيت الإنسان ونحو هذا ، فرفع الله الجناح عمن أراد تزوج المعتدة مع التعريض ومع الإكنان ، ونهى عن المواعدة التي هي تصريح بالتزويج وبناء عليه واتفاق على وعد ، فرخص لعلمه تعالى بغلبة النفوس وطمحانها وضعف البشر عن ملكها ، وقوله تعالى (سَتَذْكُرُونَهُنَ) ، قال الحسن : معناه ستخطبونهن.