هذا المعنى المالك لها المتقرر فيها ، وحكى المهدوي عن سيبويه أن المعنى : وفيما يتلى عليكم الذين يتوفون ، ولا أعرف هذا الذي حكاه لأن ذلك إنما يتجه إذا كان في الكلام لفظ أمر بعد. مثل قوله : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) [المائدة : ٣٨] ، وهذه الآية فيها معنى الأمر لا لفظه فيحتاج مع هذا التقدير إلى تقدير آخر يستغنى عنه إذا حضر لفظ الأمر ، وحسن مجيء الآية هكذا أنها توطئة لقوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) ، إذ القصد بالمخاطبة من أول الآية إلى آخرها الرجال الذين منهم الحكام والنظرة ، وعبارة المبرد والأخفش ما ذكرناه ، وهذه الآية هي في عدة المتوفى عنها زوجها ، وظاهرها العموم ومعناها الخصوص في الحرائر غير الحوامل ولم تعن الآية لما يشذ من مرتابة ونحوها ، وحكى المهدوي عن بعض العلماء أن الآية تناولت الحوامل ثم نسخ ذلك بقوله : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ) [الطلاق : ٤] ، وعدة الحامل وضع حملها عند جمهور العلماء ، وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس وغيرهما أن تمام عدتها آخر الأجلين ، والتربص الصبر والتأني بالشخص في مكان أو حال ، وقد بين تعالى ذلك بقوله: (بِأَنْفُسِهِنَ) ، والأحاديث عن النبي صلىاللهعليهوسلم : متظاهرة أن التربص بإحداد وهو الامتناع عن الزينة ولبس المصبوغ الجميل والطيب ونحوه ، والتزام المبيت في مسكنها حيث كانت وقت وفاة الزوج. وهذا قول جمهور العلماء وهو قول مالك وأصحابه. وقال ابن عباس وأبو حنيفة فيما روي عنه وغيرهما : ليس المبيت بمراعى ، تبيت حيث شاءت. وقال الحسن بن أبي الحسن : «ليس الإحداد بشيء ، إنما تتربص عن الزواج ، ولها أن تتزين وتتطيب».
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف. وقرأ جمهور الناس «يتوفون» بضم الياء ، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه «يتوفون» بفتح الياء ، وكذلك روى المفضل عن عاصم ، ومعناه يستوفون آجالهم ، وجعل الله الأربعة الأشهر والعشر عبادة في العدة فيها استبراء للحمل ، إذا فيها تكمل الأربعون والأربعون والأربعون ، حسب الحديث الذي رواه ابن مسعود وغيره ثم ينفخ الروح ، وجعل الله تعالى العشر تكملة إذ هي مظنة لظهور الحركة بالجنين وذلك لنقص الشهور أو كمالها ولسرعة حركة الجنين أو إبطائها ، قاله سعيد بن المسيب وأبو العالية وغيرهما ، وقال تعالى : (عَشْراً) ، ولم يقل عشرة تغليبا لحكم الليالي إذ الليلة أسبق من اليوم والأيام في ضمنها ، وعشر أخف في اللفظ. قال جمهور أهل العلم : ويدخل في ذلك اليوم العاشر وهو من العدة لأن الأيام مع الليالي ، وحكى منذر بن سعيد ـ وروي أيضا عن الأوزاعي ـ : أن اليوم العاشر ليس من العدة بل انقضت بتمام عشر ليال ، قال المهدوي : «وقيل المعنى وعشر مدد كل مدة من يوم وليلة» ، وروي عن ابن عباس أنه قرأ «أربعة أشهر وعشر ليال».
قوله عزوجل :
(فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِير) (٢٣٤)
أضاف تعالى الأجل إليهنّ إذ هو محدود مضروب في أمرهن ، والمخاطبة بقوله (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) عامة لجميع الناس ، والتلبس بهذا الحكم هو للحكام والأولياء اللاصقين والنساء المعتدات ، وقوله عزوجل (فِيما فَعَلْنَ) يريد به التزوج فما دونه من التزين واطراح الإحداد. قال مجاهد وابن شهاب وغيرهما : أراد