المنيح الممدوح ، وأما المنيح الذي هو أحد الثلاثة الأغفال ، فذلك إنما يوصف بالكر ، وإياه أراد جرير بقوله : [الكامل]
ولقد عطفن على فزارة عطفة |
|
كرّ المنيح وجلن ثمّ مجالا |
ومن الميسر قول لبيد :
[الطويل]
إذا يسروا لم يورث اليسر بينهم |
|
فواحش ينعى ذكرها بالمصائف |
فهذا كله هو نفع الميسر ، إلا أنه أكل المال بالباطل ، ففيه إثم كبير ، وقال محمد بن سيرين والحسن وابن عباس وابن المسيب وغيرهم : كل قمار ميسر من نرد وشطرنج ونحوه حتى لعب الصبيان بالجوز.
وقوله تعالى : (قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) الآية ، قال ابن عباس والربيع : الإثم فيهما بعد التحريم ، والمنفعة فيهما قبله ، وقالت طائفة : الإثم في الخمر ذهاب العقل والسباب والافتراء والإذاية والتعدي الذي يكون من شاربها ، والمنفعة اللذة بها كما قال حسان بن ثابت :
ونشربها فتتركنا ملوكا |
|
وأسدا ما ينهنهنا اللقاء |
إلى غير ذلك من أفراحها ، وقال مجاهد : «المنفعة بها كسب أثمانها» ، ثم أعلم الله عزوجل أن الإثم أكبر من النفع وأعود بالضرر في الآخرة ، فهذا هو التقدمة للتحريم ، وقرأ حمزة والكسائي «كثير» بالثاء المثلثة ، وحجتها أن النبي صلىاللهعليهوسلم لعن الخمر ولعن معها عشرة : بائعها ، ومبتاعها ، والمشتراة له ، وعاصرها ، والمعصورة له ، وساقيها ، وشاربها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وآكل ثمنها ، فهذه آثام كثيرة ، وأيضا فجمع المنافع يحسن معه جمع الآثام ، و «كثير» بالثاء المثلثة يعطي ذلك ، وقرأ باقي القراء وجمهور الناس «كبير» بالباء بواحدة ، وحجتها أن الذنب في القمار وشرب الخمر من الكبائر فوصفه بالكبير أليق ، وأيضا فاتفاقهم على (أَكْبَرُ) حجة لكبير بالباء بواحدة ، وأجمعوا على رفض أكثر بالثاء مثلثة ، إلا ما في مصحف ابن مسعود فإن فيه «قل فيهما إثم كثير وإثمهما أكثر» بالثاء مثلثة في الحرفين ، وقوله تعالى : (فِيهِما إِثْمٌ) يحتمل مقصدين ، أحدهما أن يراد في استعمالهما بعد النهي ، والآخر أن يراد خلال السوء التي فيهما ، وقال سعيد بن جبير : لما نزلت (قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) كرهها قوم للإثم وشربها قوم للمنافع ، فلما نزلت (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) [النساء : ٤٣] تجنبوها عند أوقات الصلوات الخمس ، فلما نزلت (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة : ٩٠] قال عمر بن الخطاب : ضيعة لك اليوم قرنت بالميسر والأنصاب ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : حرمت الخمر.
ولما سمع عمر بن الخطاب قوله تعالى : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة : ٩١] قال : «انتهينا ، انتهينا» ، قال الفارسي : وقال بعض أهل النظر : حرمت الخمر بهذه الآية لأن الله تعالى قال : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ) [الأعراف : ٣٣] ، وأخبر في هذه الآية أن فيها إثما ، فهي حرام.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : ليس هذا النظر بجيد لأن الإثم الذي فيها هو