تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ ، فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) ، [المائدة : ٩١] ، ثم قوله تعالى : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ) [المائدة : ٩٠] ، فقال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : «حرمت الخمر» ، ولم يحفظ عن النبي صلىاللهعليهوسلم في حد الخمر إلا أنه جلد أربعين ، خرجه مسلم وأبو داود ، وروي عنه صلىاللهعليهوسلم أنه ضرب فيها ضربا مشاعا ، وحزره أبوبكر أربعين سوطا ، وعمل بذلك هو ثم عمر ، ثم تهافت الناس فيها فشدد عليهم الحد وجعله كأخف الحدود ثمانين ، وبه قال مالك ، وقال الشافعي بالأربعين ، وضرب الخمر غير شديد عند جماعة من العلماء لا يبدو إبط الضارب ، وقال مالك : «الضرب كله سواء لا يخفف ولا يبرح» ، ويجتنب من المضروب الوجه والفرج والقلب والدماغ والخواصر بإجماع ، وقالت طائفة : هذه الآية منسوخة بقوله : (فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة : ٩٠] ، يريد ما في قوله (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) من الإباحة والإشارة إلى الترخيص.
و (الْمَيْسِرِ) مأخوذ من يسر إذا جزر ، والياسر الجازر ، ومنه قول الشاعر :
فلم يزل بك واشيهم ومكرهم |
|
حتّى أشاطوا بغيب لحم من يسروا |
ومنه قول الآخر :
أقول لهم بالشّعب إذ ييسرونني |
|
ألم تيأسوا إنّي ابن فارس زهدم؟ |
والجزور الذي يستهم عليه يسمى ميسرا لأنه موضع اليسر ، ثم قيل للسهام ميسر للمجاورة. وقال الطبري : «الميسر مأخوذ من يسر لي هذا إذا وجب وتسنى» ، ونسب القول إلى مجاهد ، ثم جلب من نص كلام مجاهد ما هو خلاف لقوله ، بل أراد مجاهد الجزر ، واليسر : الذي يدخل في الضرب بالقداح ، وجمعه أيسار وقيل يسر جمع ياسر ، كحارس وحرس وأحراس ، وسهام الميسر سبعة لها حظوظ وفيها فروض على عدة الحظوظ ، وثلاثة لا حظوظ لها ، ولا فروض فيها ، وهي الفذ والتوأم والرقيب والحلس والنافس والمسبل والمعلى ، والثلاثة التي لا حظوظ لها المنيح والسفيح والوغد ، تزاد هذه الثلاثة لتكثر السهام وتختلط على الحرضة وهو الضارب بها ، فلا يجد إلى الميل مع أحد سبيلا ، وكانت عادة العرب أن تضرب بهذه القداح في الشتوة وضيق الوقت وكلب البرد على الفقراء ، تشتري الجزور ويضمن الأيسار ثمنها ثم تنحر وتقسم على عشرة أقسام ، وأخطأ الأصمعي في قسمة الجزور ، فذكر أنها كانت على قدر حظوظ السهام ثمانية وعشرين قسما ، وليس كذلك. ثم يضرب على العشرة الأقسام ، فمن فاز سهمه بأن يخرج من الربابة متقدما أخذ أنصباءه وأعطاها الفقراء ، وفي أحيان ربما تقامروا لأنفسهم ثم يغرم الثمن من لم يفز سهمه. ويعيش بهذه السيرة فقراء الحي ، ومنه قول الأعشى : [السريع]
المطعمو الضيف إذا ما شتا |
|
والجاعلو القوت على الياسر |
ومنه قول الآخر : [الطويل]
بأيديهم مقرومة ومغالق |
|
يعود بأرزاق العفاة منيحها |
والمنيح في هذا البيت المستمنح ، لأنهم كانوا يستعيرون السهم الذي قد أملس وكثر فوزه ، فذلك