من أن الآية مثل في جماع النساء فبعيد مغير نمط الكلام ، وقرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي ونافع بخلاف عنه «البيوت» بكسر الباء ، وقرأ بعض القراء «ولكنّ البرّ» بتشديد نون «لكنّ» ونصب «البرّ» ، وقد تقدم القول على (مَنْ) في قوله (مَنْ آمَنَ بِاللهِ) [البقرة : ١٧٧] ، (وَاتَّقُوا) معناه اجعلوا بينكم وبين عقابه وقاية ، و (لَعَلَّكُمْ) ترجّ في حق البشر ، والفلاح درك البغية.
وقوله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) الآية ، هي أول آية نزلت في الأمر بالقتال.
قال ابن زيد والربيع : معناها قاتلوا من قاتلكم وكفوا عمن كف عنكم ، ولا تعتدوا في قتال من لم يقاتلوكم ، وهذه الموادعة منسوخة بآية براءة ، وبقوله : (قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) [التوبة : ٣٦].
وقال ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومجاهد : معنى الآية قاتلوا الذين هم بحالة من يقاتلكم ، ولا تعتدوا في قتل النساء والصبيان والرهبان وشبههم ، فهي محكمة على هذا القول ، وقال قوم : المعنى لا تعتدوا في القتال لغير وجه الله كالحمية وكسب الذكر.
قوله عزوجل :
(وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (١٩١) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٢) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣) الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (١٩٤)
قال ابن إسحاق وغيره : نزلت هذه الآيات في شأن عمرو بن الحضرمي وواقد ، وهي سرية عبد الله بن جحش ، و (ثَقِفْتُمُوهُمْ) معناه أحكمتم غلبهم ولقيتموهم قادرين عليهم ، يقال رجل ثقف لقف إذا كان محكما لما يتناوله من الأمور ، (وَأَخْرِجُوهُمْ).
قال الطبري : «الخطاب للمهاجرين ، والضمير لكفار قريش».
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : بل الخطاب لجميع المؤمنين ، ويقال (أَخْرَجُوكُمْ) إذا أخرجوا بعضهم الأجل قدرا وهم النبي صلىاللهعليهوسلم والمهاجرون ، (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) أي الفتنة التي حملوكم عليها وراموكم بها على الرجوع إلى الكفر أشد من القتل.
قال مجاهد : «أي من أن يقتل المؤمن ، فالقتل أخف عليه من الفتنة».
قال غيره : بل المعنى الفتنة التي فعلوا أشد في هتك حرمات الحق من القتل الذي أبيح لكم أيها المؤمنون أن توقعوه بهم ، ويحتمل أن يكون المعنى والفتنة أي الكفر والضلال الذي هم فيه أشد في الحرم وأعظم جرما من القتل الذي عيروكم به في شأن ابن الحضرمي.