وقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ) الآية ، قال ابن عباس وقتادة والربيع وغيرهم : نزلت على سؤال قوم من المسلمين النبي صلىاللهعليهوسلم عن الهلال وما فائدة محاقه وكماله ومخالفته لحال الشمس؟ ، وجمع (الْأَهِلَّةِ) وهو واحد في الحقيقة من حيث كونه هلالا في شهر غير كونه هلالا في الآخر ، فإنما جمع أحواله من الهلالية ، والهلال ليلتان بلا خلاف ثم يقمر ، وقيل ثلاث.
وقال الأصمعي : هو هلال حتى يحجر ويستدير له كالخيط الرقيق ، وقيل هو هلال حتى يبهر بضوئه السماء وذلك ليلة سبع.
وقوله : (مَواقِيتُ) معناه لمحل الديون وانقضاء العدد والأكرية وما أشبه هذا من مصالح العباد ، ومواقيت الحج أيضا يعرف بها وقته وأشهره ، و (مَواقِيتُ) لا ينصرف لأنه جمع لا نظير له في الآحاد ، فهو جمع ونهاية إذ ليس يجمع ، وقرأ ابن أبي إسحاق «والحج» بكسر الحاء في جميع القرآن ، وفي قوله «حج البيت» في آل عمران.
قال سيبوية : الحج كالرد والشد ، والحج كالذكر ، فهما مصدران بمعنى ، وقيل : الفتح مصدر والكسر الاسم.
وقوله تعالى : (وَلَيْسَ الْبِرُّ) الآية ، قال البراء بن عازب والزهري وقتادة : سببها أن الأنصار كانوا إذا حجوا أو اعتمروا يلتزمون تشرعا أن لا يحول بينهم وبين السماء حائل ، فكانوا يتسنمون ظهور بيوتهم على الجدرات ، وقيل : كانوا يجعلون في ظهور بيوتهم فتوحا يدخلون منها ولا يدخلون من الأبواب ، وقيل غير هذا مما يشبهه فاختصرته ، فجاء رجل منهم فدخل من باب بيته فعيّر بذلك ، فنزلت الآية فيه.
وقال إبراهيم : «كان يفعل ما ذكر قوم من أهل الحجاز».
وقال السدي : ناس من العرب ، وهم الذين يسمون الحمس ، قال : فدخل النبي صلىاللهعليهوسلم بابا ومعه رجل منهم ، فوقف ذلك الرجل وقال إني أحمس ، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم وأنا أحمس ، ونزلت الآية.
وروى الربيع أن النبي صلىاللهعليهوسلم دخل وخلفه رجل أنصاري فدخل وخرق عادة قومه ، فقال له النبيصلىاللهعليهوسلم : لم دخلت وأنت قد أحرمت؟ ، قال : دخلت أنت فدخلت بدخولك ، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : إني أحمس ، أي من قوم لا يدينون بذلك ، فقال الرجل : وأنا ديني دينك ، فنزلت الآية.
وقال أبو عبيدة : الآية ضرب مثل ، المعنى : ليس البر أن تسألوا الجهّال ولكن اتقوا واسألوا العلماء ، فهذا كما يقال أتيت هذا الأمر من بابه.
وقال غير أبي عبيدة : «المعنى ليس البر أن تشذوا في الأسئلة عن الأهلّة وغيرها فتأتون الأمور على غير ما يجب».
قال القاضي أبو محمد : وهذا يحتمل والأول أسدّ ، وأما ما حكاه المهدوي ومكي عن ابن الأنباري