والتوسعة ، قاله قتادة ، وهو قول حسن ، وقرأ الحسن فيما روي عنه ومعاوية بن قرة «واتبعوا» من الاتباع ، وجوزها ابن عباس ، ورجح (ابْتَغُوا) من الابتغاء.
(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ) نزلت بسبب صرمة بن قيس ، و (حَتَّى) غاية للتبين ، ولا يصح أن يقع التبين لأحد ويحرم عليه الأكل إلا وقد مضى لطلوع الفجر قدر ، و (الْخَيْطُ) استعارة وتشبيه لرقة البياض أولا ورقة السواد الحاف به ، ومن ذلك قول أبي داود :
فلمّا بصرن به غدوة |
|
ولاح من الفجر خيط أنارا |
ويروى فنارا ، وقال بعض المفسرين : (الْخَيْطُ) اللون ، وهذا لا يطرد لغة ، والمراد فيما قال جميع العلماء بياض النهار وسواد الليل ، وهو نص قول النبي صلىاللهعليهوسلم لعدي بن حاتم في حديثه المشهور ، و (مِنَ) الأولى لابتداء الغاية ، والثانية للتبعيض ، و (الْفَجْرِ) مأخوذ من تفجر الماء ، لأنه يتفجر شيئا بعد شيء ، وروي عن سهل بن سعد وغيره من الصحابة أن الآية نزلت إلا قوله (مِنَ الْفَجْرِ) فصنع بعض الناس خيطين أبيض وأسود ، فنزل قوله تعالى : (مِنَ الْفَجْرِ) ، وروي أنه كان بين طرفي المدة عام.
قال القاضي أبو محمد : من رمضان إلى رمضان ، تأخر البيان إلى وقت الحاجة ، وعدي بن حاتم جعل خيطين على وساده وأخبر النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال له : «إن وسادك لعريض» ، وروي أنه قال له : «إنك لعريض القفا» ، ولهذه الألفاظ تأويلان ، واختلف في الحد الذي بتبينه يجب الإمساك : فقال الجمهور وبه أخذ الناس ومضت عليه الأمصار والأعصار ووردت به الأحاديث الصحاح : ذلك الفجر المعترض الآخذ في الأفق يمنة ويسرة ، فبطلوع أوله في الأفق يجب الإمساك ، وهو مقتضى حديث ابن مسعود وسمرة بن جندب ، وروي عن عثمان بن عفان وحذيفة بن اليمان وابن عباس وطلق بن علي وعطاء بن أبي رباح والأعمش وغيرهم أن الإمساك يجب بتبين الفجر في الطرق وعلى رؤوس الجبال ، وذكر عن حذيفة أنه قال : «تسحرت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو النهار ، إلا أنّ الشمس لم تطلع» ، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه صلى الصبح بالناس ثم قال : «الآن تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود».
قال الطبري : «ومما قادهم إلى هذا القول أنهم يرون أن الصوم إنما هو في النهار ، والنهار عندهم من طلوع الشمس لأن آخره غروبها ، فكذلك أوله طلوعها».
وحكى النقاش عن الخليل بن أحمد أن النهار من طلوع الفجر ، ويدل على ذلك قول الله تبارك وتعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ) [هود : ١١٤] ، قال القاضي أبو محمد : والقول في نفسه صحيح ، وقد ذكرت حجته في تفسير قوله تعالى : (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [البقرة : ١٦٤ ، آل عمران : ١٩٠ ، الجاثية : ٥] ، وفي الاستدلال بهذه الآية نظر ، ومن أكل وهو يشك هل طلع الفجر أم لم يطلع فعليه عند مالك القضاء.