العيش ، و (اجْعَلْ) لفظه الأمر وهو في حق الله تعالى رغبة ودعاء ، و (آمِناً) معناه من الجبابرة والمسلطين والعدو المستأصل والمثلاث التي تحل بالبلاد.
وكانت مكة وما يليها حين ذلك قفرا لا ماء فيه ولا نبات ، فبارك الله فيما حولها كالطائف وغيره ، ونبتت فيها أنواع الثمرات.
وروي أن الله تعالى لما دعاه إبراهيم أمر جبريل صلوات الله عليه فاقتلع فلسطين ، وقيل قطعة من الأردن فطاف بها حول البيت سبعا وأنزلها بوجّ ، فسميت الطائف بسبب ذلك الطواف.
واختلف في تحريم مكة متى كان؟ فقالت فرقة : جعلها الله حراما يوم خلق السموات والأرض ، وقالت فرقة : حرمها إبراهيم.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : والأول قاله النبي صلىاللهعليهوسلم في خطبته ثاني يوم الفتح ، والثاني قاله أيضا النبي صلىاللهعليهوسلم ، ففي الصحيح عنه : «اللهم إن إبراهيم حرم مكة ، وإني حرمت المدينة ، ما بين لابتيها حرام» ، ولا تعارض بين الحديثين ، لأن الأول إخبار بسابق علم الله فيها وقضائه ، وكون الحرمة مدة آدم وأوقات عمارة القطر بإيمان ، والثاني إخبار بتجديد إبراهيم لحرمتها وإظهاره ذلك بعد الدثور ، وكل مقال من هذين الإخبارين حسن في مقامه ، عظم الحرمة ثاني يوم الفتح على المؤمنين بإسناد التحريم إلى الله تعالى ، وذكر إبراهيم عند تحريمه المدينة مثالا لنفسه ، ولا محالة أن تحريم المدينة هو أيضا من قبل الله تعالى ومن نافذ قضائه وسابق علمه ، و (مِنَ) بدل من قوله (أَهْلَهُ) ، وخص إبراهيم المؤمنين بدعائه.
وقوله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ) الآية قال أبي بن كعب وابن إسحاق وغيرهما : هذا القول من الله عزوجل لإبراهيم ، وقرؤوا «فأمتّعه» بضم الهمزة وفتح الميم وشد التاء ، «ثم اضطرّه» بقطع الألف وضم الراء ، وكذلك قرأ السبعة حاشا ابن عامر ، فإنه قرأ «فأمتعه» بضم الهمزة وسكون الميم وتخفيف التاء ، (ثُمَّ أَضْطَرُّهُ) بقطع الألف ، وقرأ يحيى بن وثاب «فأمتعه» كما قرأ ابن عامر «ثم اضطره» بكسر الهمزة على لغة قريش في قولهم لا إخال ، وقرأ أبي بن كعب «فنمتعه» «ثم نضطره» ، و (مِنَ) شرط والجواب في (فَأُمَتِّعُهُ) ، وموضع (مِنَ) رفع على الابتداء والخبر ، ويصح أن يكون موضعها نصبا على تقدير وأرزق من كفر ، فلا تكون شرطا.
وقال ابن عباس ومجاهد وغيرهما : هذا القول هو من إبراهيم صلىاللهعليهوسلم ، وقرؤوا «فأمتعه» بفتح الهمزة وسكون الميم «ثم اضطره» بوصل الألف وفتح الراء ، وقرئت بالكسر ، ويجوز فيها الضم ، وقرأ ابن محيصن «ثم اطّره» بإدغام الضاد في الطاء ، وقرأ يزيد بن أبي حبيب «ثم اضطره» بضم الطاء.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : فكأن إبراهيم عليهالسلام دعا للمؤمنين وعلى الكافرين.
و (قَلِيلاً) معناه مدة العمر ، لأن متاع الدنيا قليل ، وهو نعت إما لمصدر كأنه قال : متاعا قليلا ، وإما