بفتح الخاء على جهة الخبر عمن اتخذه من متبعي إبراهيم ، وذلك معطوف على قوله (وَإِذْ جَعَلْنَا) ، كأنه قال : وإذ اتخذوا ، وقيل هو معطوف على جعلنا دون تقدير إذ ، فهي جملة واحدة ، وعلى تقدير إذ فهي جملتان.
واختلف في (مَقامِ إِبْراهِيمَ) ، فقال ابن عباس وقتادة وغيرهما ، وخرجه البخاري : إنه الحجر الذي ارتفع عليه إبراهيم حين ضعف عن رفع الحجارة التي كان إسماعيل يناوله إياها في بناء البيت وغرقت قدماه فيه.
وقال الربيع بن أنس : هو حجر ناولته إياه امرأته فاغتسل عليه وهو راكب ، جاءته به من شق ثم من شق فغرقت رجلاه فيه حين اعتمد عليه ، وقال فريق من العلماء : المقام المسجد الحرام ، وقال عطاء بن أبي رباح : المقام عرفة والمزدلفة والجمار ، وقال ابن عباس : مقامه مواقف الحج كلها ، وقال مجاهد : مقامه الحرم كله.
و (مُصَلًّى) موضع صلاة ، هذا على قول من قال : المقام الحجر ، ومن قال بغيره قال (مُصَلًّى) مدعى ، على أصل الصلاة.
وقوله تعالى : (وَعَهِدْنا) العهد في اللغة على أقسام ، هذا منها الوصية بمعنى الأمر ، و (أَنْ) في موضع نصب على تقدير بأن وحذف الخافض ، قال سيبويه : إنها بمعنى أي مفسرة ، فلا موضع لها من الإعراب ، و (طَهِّرا) قيل معناه ابنياه وأسساه على طهارة ونية طهارة ، فيجيء مثل قوله : (أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى) [التوبة : ١٠٨] وقال مجاهد : هو أمر بالتطهير من عبادة الأوثان ، وقيل : من الفرث والدم.
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف لا تعضده الأخبار ، وقيل : من الشرك ، وأضاف الله البيت إلى نفسه تشريفا للبيت ، وهي إضافة مخلوق إلى خالق ومملوك إلى مالك ، و (لِلطَّائِفِين) ظاهره أهل الطواف ، وقاله عطاء وغيره ، وقال ابن جبير : معناه للغرباء الطارئين على مكة ، و (الْعاكِفِينَ) قال ابن جبير : هم أهل البلد المقيمون ، وقال عطاء : هم المجاورون بمكة ، وقال ابن عباس : المصلون ، وقال غيره : المعتكفون.
قال القاضي أبو محمد : والعكوف في اللغة اللزوم للشيء والإقامة عليه ، كما قال الشاعر [العجاج] : [الرجز]
عكف النبيط يلعبون الفنزجا
فمعناه لملازمي البيت إرادة وجه الله العظيم ، و (الرُّكَّعِ السُّجُودِ) المصلون ، وخص الركوع والسجود بالذكر لأنهما أقرب أحوال المصلي إلى الله تعالى ، وكل مقيم عند بيت الله إرادة ذات الله فلا يخلو من إحدى هذه الرتب الثلاث ، إما أن يكون في صلاة أو في طواف فإن كان في شغل من دنياه فحال العكوف على مجاورة البيت لا يفارقه.
وقوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) الآية ، دعا إبراهيم عليهالسلام لذريته وغيرهم بمكة بالأمن ورغد