وقال عيسى بن عمر : كتبت حتى انقطع سوائي ، وقال حسان بن ثابت في رثاء النبيصلىاللهعليهوسلم على ما ذكر ابن إسحاق وغيره [الكامل] :
يا ويح أنصار النبيّ ورهطه |
|
بعد المغيّب في سواء الملحد |
وقال أبو عبيد : هو في عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو عندي وهم منه ، و (السَّبِيلِ) عبارة عن الشريعة التي أنزلها الله لعباده ، لما كانت كالسبب إلى نيل رحمته كانت كالسبيل إليها.
وقوله تعالى : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) ، (كَثِيرٌ) مرتفع ب (وَدَّ) ، وهو نعت لنكرة ، وحذف الموصوف النكرة قلق ، ولكن جاز هنا لأنها صفة متمكنة ترفع الإشكال بمنزلة فريق ، قال الزهري عنى ب (كَثِيرٌ) واحد ، وهو كعب بن الأشرف ، وهذا تحامل ، وقوله تعالى (يَرُدُّونَكُمْ) يرد عليه ، وقال ابن عباس : المراد ابنا أخطب ، حيي وأبو ياسر.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وفي الضمن الاتباع ، فتجيء العبارة متمكنة ، و (الْكِتابِ) هنا التوراة ، و (لَوْ) هنا بمنزلة «إن» لا تحتاج إلى جواب ، وقيل يتقدر جوابها في (وَدَّ) ، التقدير لو يردونكم لودوا ذلك.
قال القاضي أبو محمد : ف «ود» دالة على الجواب ، لأن من شرطه أن يكون متأخرا عن (لَوْ) ، و (كُفَّاراً) مفعول ثان ، ويحتمل أن يكون حالا ، و (حَسَداً) مفعول له ، وقيل : هو مصدر في موضع الحال.
واختلف في تعلق قوله (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) : فقيل يتعلق ب (وَدَّ) لأنه بمعنى ودوا ، وقيل : يتعلق بقوله (حَسَداً) فالوقف على قوله (كُفَّاراً) ، والمعنى على هذين القولين أنهم لم يجدوا ذلك في كتاب ولا أمروا به فهو من تلقائهم ، ولفظة الحسد تعطي هذا ، فجاء من عند أنفسهم تأكيدا وإلزاما ، كما قال تعالى : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ) [آل عمران : ١٦٧] ، و (يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) [البقرة : ٧٩] ، (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) [الأنعام : ٣٨] ، وقيل يتعلق بقوله (يَرُدُّونَكُمْ) ، فالمعنى أنهم ودوا الرد بزيادة أن يكون من تلقائهم أي بإغوائهم وتزيينهم.
واختلف في سبب هذه الآية ، فقيل : إن حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر أتيا بيت المدارس ، فأراد اليهود صرفهم عن دينهم ، فثبتا عليه ونزلت الآية ، وقيل : إنما هذه الآية تابعة في المعنى لما تقدم من نهي الله عن متابعة أقوال اليهود في (راعِنا) [البقرة : ١٠٤] وغيره ، وأنهم لا يودون أن ينزل خير ، ويودون أن يردوا المؤمنين كفارا.
و (الْحَقُ) : المراد به في هذه الآية نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وصحة ما المسلمون عليه ، وهذه الآية من الظواهر في صحة الكفر عنادا ، واختلف أهل السنة في جواز ذلك ، والصحيح عندي جوازه غفلا وبعده وقوعا ، ويترتب في كل آية تقتضيه أن المعرفة تسلب في ثاني حال من العناد ، والعفو ترك العقوبة وهو من «عفت الآثار» ، والصفح الإعراض عن المذنب كأنه يولي صفحة العنق.
وقال ابن عباس هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) [التوبة : ٢٩] إلى قوله (صاغِرُونَ) [التوبة : ٢٩] ، وقيل : بقوله «اقتلوا المشركين» ، وقال قوم : ليس هذا حد المنسوخ ، لأن هذا في نفس الأمر كان التوقيف على مدته.