صلىاللهعليهوسلم خطاب أمته ، و «الولي» فعيل من ولي إذا جاور ولحق ، فالناصر والمعين والقائم بالأمر والحافظ كلهم مجاور بوجه ما ، و «النصير» فعيل من النصر ، وهو أشد مبالغة من ناصر.
وقوله تعالى : (أَمْ تُرِيدُونَ) : قالت فرقة : (أَمْ) رد على الاستفهام الأول ، فهي معادلته.
وقالت فرقة (أَمْ) استفهام مقطوع من الأول ، كأنه قال : أتريدون ، وهذا موجود في كلام العرب.
وقالت فرقة : (أَمْ) هنا بمعنى بل وألف الاستفهام ، قال مكي وغيره : وهذا يضعف لأن «أم» لا تقع بمعنى بل إلا إذا اعترض المتكلم شك فيما يورده.
قال القاضي أبو محمد : وليس كما قال مكي رحمهالله ، لأن «بل» قد تكون للإضراب عن اللفظ الأول لا عن معناه ، وإنما يلزم ما قال على أحد معنيي «بل» وهو الإضراب عن اللفظ والمعنى ، ونعم ما قال سيبويه : بل هي لترك كلام وأخذ في غيره.
وقال أبو العالية : إن هذه الآية نزلت حين قال بعض الصحابة للنبي صلىاللهعليهوسلم : ليت ذنوبنا جرت مجرى ذنوب بني إسرائيل بتعجيل العقوبة في الدنيا ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : قد أعطاكم الله خيرا مما أعطى بني إسرائيل. وتلا : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً). [النساء : ١١٠].
قال القاضي أبو محمد : فتجيء إضافة الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى الأمة على هذا حسب الأمر في نفسه وحسب إقرارهم.
وقال ابن عباس رضي الله عنه : إن رافع بن حريملة اليهودي سأل النبي صلىاللهعليهوسلم تفجير عيون وغير ذلك ، وقيل : إن كفار قريش سألوا النبي صلىاللهعليهوسلم أن يأتيهم بالله جهرة ، وقيل : سألوه أن يأتي بالله والملائكة قبيلا ، وقال مجاهد : سألوه أن يرد الصفا ذهبا ، فقال لهم : خذوا ذلك كالمائدة لبني إسرائيل ، فأبوا ونكصوا.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : فتجيء على هذه الأقوال إضافة الرسول إليهم حسب الأمر في نفسه ، لا على إقرارهم ، و (كَما سُئِلَ مُوسى) عليهالسلام هو أن يرى الله جهرة. وقرأ الحسن بن أبي الحسن وغيره «سيل» بكسر السين وياء وهي لغة ، يقال : سلت أسال ، ويحتمل أن يكون من همز أبدل الهمزة ياء على غير قياس ثم كسر السين من أجل الياء ، وقرأ بعض القراء بتسهيل الهمزة بين الهمزة والياء مع ضم السين ، وكني عن الإعراض عن الإيمان والإقبال على الكفر بالتبدل ، وقال أبو العالية : «الكفر هنا الشدة ، والإيمان الرخاء».
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف ، إلا أن يريدهما مستعارتين ، أي الشدة على نفسه والرخاء لها عبارة عن العذاب والتنعيم ، وأما المتعارف من شدة أمور الدنيا ورخائها فلا تفسر الآية به ، و (ضَلَ) أخطأ الطريق ، و «السواء» من كل شيء الوسط والمعظم ، ومنه قوله تعالى (فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) [الصافات : ٥٥].