وراح الرمانى يضرب
لنا الأمثال موضحا ما ذهب إليه ، وكان ذلك فى صورة حوار فلسفى أشتهر به المتكلمون
، يقوم على افتراض سؤال من السائل ثم الرد عليه بقوله «فإن قال قائل كذا قيل له
كذا ...» وهذه الأسئلة فى حقيقة أمرها هى آراء المعارضين لهم.
كان ما سبق ، هو
الجانب الكلامى من جهد الرمانى فى الإعجاز ، وإذا كان لم يسهب فيه القول ، فلأنه
أفاض الحديث فى الوجه السابع من وجوه الإعجاز عنده ، وهو الجانب البلاغى.
فالقرآن الكريم
معجز لبلاغته ، وللأسباب الستة الأخرى التى ذكرها الرمانى.
وهو لا يرى أن
البلاغة مجرد أفهام المعنى ، لأنه قد يفهم المعنى متكلمان أحدهما بليغ والآخر عيى
أى مخلّط فى الكلام ، مضطرب فى عقله. وليست البلاغة تحقيق اللفظ على المعنى ، لأنه
قد يحقق اللفظ على المعنى وهو غثّ مستكره ، ونافر متكلّف ، إنما البلاغة «إيصال
المعنى إلى القلب فى حسن صورة من اللفظ».
ثم يفصل هذا
التعريف بأن البلاغة على ثلاث طبقات ، عليا ووسطى ودنيا ، والعليا هى بلاغة القرآن
والوسطى والدنيا هى بلاغة البلغاء حسب تفاوتهم فى البلاغة ، ثم توقف عند الإيجاز ،
ويعرفه بأنه تقليل الكلام من غير إخلال بالمعنى «ثم يقول أنه على وجهين إيجاز حذف
هو ما سقطت فيه كلمة للاستغناء عنها بدلالة غيرها من الحال ، أو من فحوى الكلام ،
كحذف الأجوبة فى القرآن فى مثل (وَلَوْ أَنَّ
قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ
بِهِ الْمَوْتى) (الرعد ـ ٣١) إذ
لم يذكر الجواب كأنه قيل : لكان هذا القرآن. ومما ساقه من أمثلة هذا النوع ، قوله
تعالى (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (يوسف ـ ٨٢) أى
أهل القرية ، والوجه الثانى ، أو النوع الثانى للإيجاز ، ايجاز القصر ، وهو بناء
الكلام على تقليل اللفظ وتكثير المعنى من غير حذف مثل (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (البقرة ـ ١٧٩).
__________________