شىء من تلك الحقائق ، إلا رجل قد برع فى علمين مختصين بالقرآن وهما علم المعانى وعلم البيان ، وتمهل فى ارتيادها آونة ، وتعب فى التنقير عنهما أزمنة ، وبعثته على تتبع مظانها همّة فى معرفة لطائف حجة الله ، وحرص على استيضاح معجزة رسول الله ، بعد أن يكون آخذا من سائر العلوم بحظ ، جامعا بين أمرين : تحقيق وحفظ ، كثير المطالعات طويل المراجعات ، قد رجع زمانا ورجع إليه وردّ وردّ عليه ، فارسا فى علم الإعراب ، مقدّما فى جملة الكتاب ، وكان مع ذلك مسترسل الطبيعة منقادها ، مشتعل القريحة وقّادها» (١).
إذن فليس التفسير هو معرفة معانى القرآن الكريم فحسب ، بل هو أيضا بيان لأسرار إعجازه (٢).
وبنظرة عامة ، نرى أن الزمخشرى قد لاحظ ، ما للتعبير باسم الإشارة من جمال وذلك فى الآية الكريمة (قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ) [يوسف ـ ٣٢] يقول : ولم تقل فهذا ، وهو حاضر ، رفعا لمنزلته فى الحسن واستحقاق أن يحبّ ويفتتن به وربأ بحاله واستبعادا لمحله (٣) ويقول أيضا فى الآية (ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) [العنكبوت ـ ٦٤] هذه : فيها ازدراء للدنيا وتصغير لأمرها (٤) وفى استعمال اسم الموصول مزايا فى النظم القرآنى (٥) والجملة الاسمية فيها جمال يسفر عنه الزمخشرى فى الآية (وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً) [لقمان ـ ٣٣] فإن قلت : قوله ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ، وأراد عن طريق من التوكيد لم يرد عليه ما هو معطوف عليه؟ قلت : الأمر كذلك لأن الجملة الاسمية آكد من الفعلية ، وقد انضم إلى ذلك قوله (هو) وقوله (مولود) ، والسبب فى مجيئه على هذا السنن : أن الخطاب للمؤمنين ، وعليتهم قبض آباؤهم على الكفر ، وعلى الدين
__________________
(١) نفس المصدر ـ ١ / ٣.
(٢) الدكتور شوقى ضيف ـ البلاغة تطور وتاريخ ـ ٢٢١.
(٣) الزمخشرى ـ الكشاف ـ ١ / ٤٧١.
(٤) نفس المصدر ـ ٢ / ١٨٣.
(٥) نفس المصدر ـ ١ / ٧٣ ـ آية (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) [الروم ـ ٢٦] ـ لتصغير شأن من فى السموات والأرض.