الزمخشرى
تابعنا جهود المعتزلة منذ النظام إلى القاضى عبد الجبار ، وقد ند الأشاعرة عن الطريق فبرز منهم الباقلانى ، وقد قدم كلّ علم من هؤلاء الأفذاذ شيئا ذا بال فى القضية ، وبذا تلونت بلون معتزلى يصحبه لون أشعرى.
وإذا وصلنا إلى الزمخشرى وجدنا خلاصة الجهود السابقة ، أو قل ، ذروة الجهود السابقة وقد تحققت على يديه ، فما أكثر ما تمنى جيل الزمخشرى أن يروا تفسيرا للقرآن الكريم فيه قبس من أفكار العلماء الجهابذة وخلاصة لآرائهم فى الدفاع عن القرآن وقضاياه وفيه المنافحة عن إعجازه وبيانه أمام طعن الطاعنين.
وكان الزمخشرى المعتزلى ، الذى جمع فوعى ، وتأدب وتفقه ، فتصدى للقرآن الكريم ، وتحت إلحاح الملحّين أخرج كتابه «الكشّاف» ، وعنه قال المترجمون لحياته أنه :
جار الله محمود بن عمر ، ولد بزمخشر من إقليم خوارزم الفارسى سنة ٤٦٧ ه. حيث كان مذهب الاعتزال لا يزال مزدهرا ، فكان طبيعيا أن يعتنقه ، وقد أقبل على دراسة العلوم اللغوية والدينية ورحل كثيرا. فأقام ببغداد مرة وجاور بمكة طويلا ، وبها أملى تفسيره (الكشاف) وعاد إلى وطنه ، وتوفّى سنة ٥٣٨ ه. وله تصانيف جليلة بجانب الكشاف من أهمها «المفصل» فى النحو ، وقد عنى به من جاءوا بعده فشرحوه مرارا ، ومن تصانيفه «كتاب الفائق فى غريب الحديث» وله معجم (أساس البلاغة) وكان كاتبا شاعرا له «أطواق الذهب» وديوان الشعر (١).
وقد أشرنا إلى منهج المعتزلة فى تناول الأعجاز ، الذى يتمثل فى هدم أقاويل
__________________
(١) انظر فى ترجمة الزمخشرى. السمعانى ـ الأنساب ورقة ٢٧٧ ، ومعجم الأدباء ١٩ / ١٢٦ ، وروضات الجنات ٦٨١ ، واللباب فى الأنساب ٢ / ٥٠٦ ، وأنباء الرواة ٣ / ٢٦٥ ، وابن كثير ١٢ / ٢١٩. وتاريخ أبى الفداء ٣ / ١٧ والسيوطى ـ طبقات المفسرين ٤١ ، وابن خلكان وفيات الأعيان ٢ / ١١٠ ط بولاق ١٢٩٩ ه وغيرها.