وأن يصح التحدى به. ذلك ، لأنه لا يخلو إذا وقع التحدى به من أن يتحدّى من له علم بأمثاله من الغريب أو من لا علم له بذلك ، فلو تحدّى به من يعلم أمثاله لم يتعذر عليه أن يعارضه بمثله (١).
وإذا امتنعت هذه الأسباب ، أن تكون أصلا فى الإعجاز ، فلم يبق إلا أن يكون فى «النظم» : وليس هو فى ضم الشيء إلى الشيء كيف جاء واتفق (٢) ولكنه تناسق دلالات الألفاظ وتلاقى معانيها على الوجه الذى يقتضيه العقل (٣) لأن الجرجانى يعتبر الألفاظ أوعية للمعانى وهى تتبع المعانى فى مواقعها (٤) يقول «فإذا وجب لمعنى أن يكون ، أوّلا فى النفس وجب اللفظ الدال عليه أن يكون مثله أوّلا فى النطق ، فأما أن تتصور فى الألفاظ أن تكون المقصودة قبل المعانى بالنظم والترتيب ، وأن يكون الفكر فى النظم الذى يتواصفه البلغاء فكرا فى نظم الألفاظ ، وأن يحتاج بعد ترتيب المعانى الى فكر تستأنفه لأن تجىء بالألفاظ على نسقها ، فباطل من الظن ، ووهم يتخيّل إلى من لا يوفى النّظر حقّه (٥).
فإدراك العلاقات بين الألفاظ ونظمها نظما معينا يؤدى إلى معنى معين بحيث لو تغير النظم لتغير المعنى ، ولا فصاحة فى اللفظ ألا وهى موصولة بغيرها ومعلقة معناها بمعنى ما يليها ، فإذا قلنا فى لفظه (اشتعل) من قوله تعالى (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) [مريم ـ ٤] أنها فى أعلى مرتبة فى الفصاحة ، لم توجب تلك الفصاحة لها وحدها ، ولكن موصولة بها الرأس معرفا بالألف واللام ومقرونا إليها الشيب منكرا ومنصوبا (٦).
المعنى والنحو :
الكلام عند الجرجانى على ضربين ، كلام منظوم ، يؤدى إلى معنى مباشر بدلالة اللفظ وحده وذلك إذا «قصدت أن تخبر عن «زيد» مثلا بالخروج على
__________________
(١) نفس المصدر ـ ٢٥٨.
(٢) نفس المصدر ـ ٣٥.
(٣) نفس المصدر والصفحة.
(٤) الجرجانى ـ الدلائل ـ ٢٤٢.
(٥) نفس المصدر ـ ٣٧.
(٦) المصدر السابق ـ ٢٦٢.