والنص على حقيقته يقول فيه الرمانى بعد أن ذكر أقسام البلاغة العشرة «الإيجاز تقليل الكلام من غير إخلال بالمعنى ، وإذا كان المعنى يمكن أن يعبر عنه بألفاظ كثيرة ، ويمكن أن يعبر عنه بألفاظ قليلة ، فالألفاظ القليلة إيجاز ، والإيجاز على وجهين : حذف وقصر ، فالحذف : إسقاط كلمة للاجتزاء عنها بدلالة غيرها من الحال أو فحوى الكلام ، والقصر : بنيه الكلام على تقليل اللفظ وتكثير المعنى من غير حذف. فمن الحذف (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) ومنه (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى) ومنه (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ) ومنه (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) ومنه حذف الأجوبة ، وهو أبلغ من الذكر. وما جاء منه فى القرآن كثير ، كقوله جل ثناؤه : (لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) كأنه قيل : لكان هذا القرآن» (١).
وربما قيل أن الباقلانى حاول أن يقدم مثالا لفكرة الرمانى فآثر الاختصار ، ولكن إغفال اسم الرمانى لا يسمح بقبول هذا الاعتذار. وقد وافق الباقلانى الرمانى فى نفى السجع عن القرآن. يقول الرمانى «الفواصل حروف متشاكلة فى المقاطع توجب حسن إفهام المعانى ، والفواصل بلاغة. والأسجاع عيب ، وذلك أن الفواصل تابعة للمعانى ، وأما الأسجاع فالمعانى تابعة لها ... وفواصل القرآن كلها بلاغة وحكمة لأنها طريق إلى إفهام المعانى التى تحتاج اليها فى أحسن صورة يدل بها عليها ، وإنما أخذ السجع فى الكلام من سجع الحمام ، وذلك أنه ليس فيه إلا الأصوات المتشاكلة ، كما ليس فى سجع الحمامة إلا الأصوات المتشاكلة .... الخ» (٢) ويقول الباقلانى «ذهب أصحابنا كلهم إلى نفى السجع من القرآن ، وذكره أبو الحسن الأشعرى رضى الله عنه فى غير موضع من كتبه» (٣) واسترسل الباقلانى فى نفس السجع حتى وصل إلى ص ٦٥ من كتابه ، وكان قد بدأ من ص ٥٧. ومن مجمل ما قاله فى هذا الموضوع نلحظ ما يلى :
__________________
(١) الرمانى ـ النكت فى إعجاز القرآن ـ ٧٠.
(٢) الرمانى ـ النكت فى إعجاز القرآن ـ ٨٩ و ٩٠.
(٣) الباقلانى ـ إعجاز القرآن ـ ٥٧ و ٥٨.