عند الباقلانى أن «نظم القرآن» خارج عن المعهود من نظام جميع كلامهم مباين للمألوف من ترتيب خطابهم ، وله أسلوب يختص به ، ويتميز فى تصرفه عن أساليب الكلام المعتادة (١).
وفى البيان ، يقول الجاحظ «أنه سيذكر فى الجزء الثانى منه أقسام تأليف جميع الكلام ، وكيف خالف القرآن جميع الكلام الموزون المنثور ، وهو موزون غير مقفى على مخارج الأشعار والأسجاع ، وكيف صار نظمه من أعظم البرهان وتأليفه من أكبر الحجج» (٢).
فلولا التعصب الذهبى لأكمل الباقلانى طريق الجاحظ ، ولاعترف بفضله وبما اقتبس منه ، وبما تأثره فيه ، ولكل كاتب عيوب ، ولكن التعصب يفوق كل العيوب.
الباقلانى والرمانى :
وأما عن الرمانى ، فقد قال الباقلانى «ذكر بعض أهل الأدب والكلام أن البلاغة على عشرة أقسام : الإيجاز والتشبيه والاستعارة والتلاؤم والفواصل والتجانس والتصريف والتضمين والمبالغة وحسن البيان ، فأما الإيجاز ، فإنما يحسن مع ترك الإخلال باللفظ ، فيأتى باللفظ القليل الشامل لأمور كثيرة ، وذلك ينقسم إلى حذف وقصر ، والحذف الإسقاط للتخفيف ، كقوله (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) وقوله (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) وحذف الجواب كقوله «ولو أن قرأنا سيرت به الجبال أو قطّعت به الأرض أو كلّم به الموتى» كأنه قيل : لكان هذا القرآن ... الخ (٣).
وهذا النص صاحبه أبو الحسن على بن عيسى الرمانى (٢٩٦ ه ـ ٣٨٤ ه) صاحب كتاب النكت فى إعجاز القرآن ، وهو معتزلى ، فأنف الباقلانى أن يذكر اسمه ، واكتفى بأن نقل ما جاء فى كتابه ، ولو كان دقيقا فى نقله لهان أمر تغاضيه عن اسم الرمانى ، ولكنه نقل وآثر أن يختصر بصورة قريبة من التشويه».
__________________
(١) الباقلانى ـ إعجاز القرآن ـ ٣٥.
(٢) الجاحظ ـ البيان والتبيين ـ ١ / ٣٩٣.
(٣) الباقلانى ـ إعجاز القرآن ـ ٢٦٢.