وأما عن قوة التعبير القرآنى وصدقه لصدوره عن الله سبحانه ، فنستطيع أن نتبينها إذا نظرنا إلى نتاج الشعراء أو الكتاب ، فنحن حين نقرأ لعنترة أو لأبى فراس أو للمتنبى شعرا فى الشجاعة والبطولة والحروب نجد لشعرهم صدقا ونبضا وحياة نابعة من طبيعتهم الشجاعة ومن ممارستهم للحروب ، والأمر يختلف لو قرأنا لابن الرومى شعرا فيه أنه جال وصال وفتك بالأعداء ، وكذا لأبى نواس ولحماد عجرد وغيرهم ممن لم يكن لهم فى الحرب باع.
أى أن هناك لونا من التعبير يصدق فيه الشاعر مع نفسه حين يتعرض له لأنه يتفق وطبيعته ، ويجد نفسه منطلقة فى سلاسة وسهولة بلا تصنع ولا كذب. يقول الباقلانى : ألا ترى أن الشعر فى التغزل إذا صدر عن محب كان أرق وأحسن ، وإذا صدر عن متعمّل وحصل من متصنع نادى على نفسه بالمداجاة ، وأخبر عن خبيئه بالمراياة ، وأنت تجد لابن المعتز فى موقع شعره من القلب فى الفخر وغيره ما لا تجده لغيره إذا قال :
إذا شئت أوقرت البلاد حوافرا |
|
وسارت ورائى هاشم ونزار |
وعم السّماء النّقع حتى كأنه |
|
دخان وأطراف الريّاح شرار |
تعلم أنه ملك الشعر ، وأنه يليق به من الفخر خاصة ، ثم يتبعه مما يتعاطاه ، ما لا يليق بغيره ، بل ينفر عن سواه ، وكما ترى فى قول أبى فراس الحمدانى فى نفسك اذا قال :
ولا أصبح الحىّ الخلوف بغارة |
|
ولا الجيش ما لم تأته قبلى النّذر |
والشيء إذا صدر من أهله ، وبدأ من أصله ، وانتسب إلى ذويه ، سلم فى نفسه ، وبانت فخامته ، وشواهد أثر الاستحقاق فيه ، وإذا صدر من متكلف ، وبدأ من متصنع ، بان أثر الغربة عليه وظهرت مخايل الاستيحاش فيه ، وعرف شمائل التحير منه (١).
__________________
(١) الباقلانى ـ إعجاز القرآن ـ ٢٧٧ إلى ٢٨٠.