ثامنا : أن الكلام يتبين فضله ورجحان فصاحته بأن تذكر منه الكلمة
فى تضاعيف كلام أو تقذف ما بين شعر ، فتأخذها الأسماع ، وتتشوف إليها النفوس ،
ويرى وجه رونقها باديا غامرا سائر ما تقرن به كالدرة التى ترى فى سلك من خرز ، وكالياقوت
فى واسطة العقد.
تاسعا : أن الحروف التى بنى عليها كلام العرب تسعة وعشرون حرفا ،
وعدد السور التى افتتح فيها بذكر الحروف ثمان وعشرون سورة ، وجملة ما ذكر من هذه
الحروف فى أوائل السور من حروف المعجم نصف الجملة ، وهو أربعة عشر حرفا ، ليدل
بالمذكور على غيره وليعرفوا أن هذا الكلام منتظم من الحروف التى ينظمون بها
كلامهم.
عاشرا : أنه سهّل سبيله ، فهو خارج عن الوحشى المستكره ، والغريب
المستنكر ، وعن الصفة المتكلفة وجعله قريبا الى الأفهام ، وهو مع ذلك ممتنع المطلب
عسير المتناول غير مطمع مع قربه فى نفسه ولا موهم مع دنوّه فى موقعه ، أن يقدر
عليه أو يظفر به .
وهذه الوجوه
البلاغية بالإضافة إلى أنها من الممكن أن يندرج الفرع منها تحت الأصل ، فينكمش
عددها ـ نجد أنها تخدم فكرة كبيرة واضحة هى أن لنظم القرآن موقعا فى البلاغة يخرج
عن عادة كلام الأنس كما يخرج عن عادة كلام الجن ، وذلك هو الوجه المذكور فى (خامسا)
والذى قد ورد بصور مختلفة فى كل وجه من الوجوه العشرة التى عدد فيها الباقلانى
الإعجاز البلاغى للقرآن.
وقد نفى الباقلانى
الشعر عن القرآن ثم نفى السجع أيضا ـ وفى السجع كثرت الأقوال ـ قال
الباقلانى «ذهب أصحابنا كلهم إلى نفى السجع من القرآن ، وذكره أبو الحسن الأشعرى
فى غير موضع من كتبه ، وذهب كثير ممن يخالفهم إلى اثبات السجع فى القرآن وزعموا أن
ذلك مما يبين به فضل الكلام ، وأنه من الأجناس التى يقع فيها التفاضل فى البيان
والفصاحة كالتجنيس والالتفات
__________________